جريمة قتل البوطي، وإفلاس الاصطفاف الطائفي

2013-03-24 08:17:00

ليست تلك هي المرأة الأولى التي يجد فيها المفلسون أنفسهم يقضمون أصابع الندم على فعلهم، وحصائد ألسنتهم، وثمرة فتاواهم، وافتضاحهم اصطفافهم الطائفي ونفاقهم البيِّن، الذي يوفق ما بين "الثورة" والفوضى والرجعية العفنة.. ويسكت عن قتل العلماء حين لا يكونوا سائرين في فلك العمالة، والإحداق بأصحاب الفتاوى المعروضة في المزاد في برص "الدوحة" واشنطن" و"باريس" أو "دبي" أو "الرياض".. عجبا لمطايا الاحتلال ووقود "الربيع".!

هكذا وصل الحال بدعاة الربيع الموتور وأبواقه إلى حدود تجلي النظرية الخارجة عن تعليم الدين العاملة ضمن مسار تطبيق الأجندة الغربية في تفتيت الدول وتدميرها وتدويل الصراع السياسي داخل الدول العربية بغية حصد نتائج "التسلط" بعد أن يسود منطق الفوضى وتسيطر الميليشيا على مفاصل الدول..

هكذا كان ولا يزال الهدف الكبير لـ"ربيع اليأس" الموتور.

فعندما اصطف المطايا خلف وتحت إمرة طائرات الناتو بقيادة الصهيوني بيرنار ليفي في ليبيا، وأطلقت الحناجر المأجورة صياحها بالتكبير، وقال إمام بنغازي حينها أن حلف الناتو وقطر والإمارات وأمريكا هو بمثابة بالنسبة لهم "حلف الفضول"! بات "الربيع" موتورا وبعيدا كل البعد من قيم الثورة النابعة من تطلعات الجماهير والمعبرة في صفائها واتزانها ونبعها الأصيل عن إمين الشعب وقيمه وعقيدته، بل أفصح "ربيع اليأس" يومهما على لسان ثوار الناتو وميليشيا "فجر أوديسا" عن حقيقة "الثورة" وسقط ورق التوت وتراجع البيدق إلى الوراء هاويا في سحيق الفعل والقول..

وعندما التزم "الإخوان" أكبر مناصري الربيع المتحالفين مع الرجعية العربية وأمريكا والناتو، والمروجين لفكرة الاصطفاف الطائفي لكوسيلة للوصول إلى السلطة في بعض الدول خارج دائرة الخليج حفاظا على ريع "الربيع"، أوامر وبنود اتفاقية كامبد ديفد التي كان حسب المعلن أصلا السبب الرئيس في اغتيال الرئيس أنور السادات في القرن الماضي!! وتصريحات مرسي النافية لأية نية في قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني بل وكشف مراسلته لشمعون بيريز ك"الصديق الوفي" له.

وعندما لعب الربيع في مصر دور الراعي والحامي لمليشيا الترهيب والقتل والتنكيل، كما هو الحال في تونس التي تسمى فيها مفجر ثورتها البوعزيزي ب"الشهيد"!!!.. واغتيل فيها بلعيد ولا تزال تحلم بالأمن والاستقرار

وعندما رفعت شعارات "الرحيل" كأهم استشارة يقدمهما منظرو الربيع للقوى السياسية في موريتانيا، وظهر إفلاسها! وتشكلت من بين خلل اليأس الذي حكم طبيعة تحرك مجاميع الربيع تخرصات تقرع دف الفوضى الصاخبة، وتلعب على وتر الإثنية والعنصرية والتفتيت، بإسم كثير من شرائح المجتمع كان آخرها "مبادرة لمعلمين" وما سبقها وما لحقها من المسارعة إلى ضرب تماسك المجتمع وخلق بؤر الفوضى علها تساعد بيارق "الربيع الموتور" في الارتفاع حين لم يساعدهم العمل السياسي والرتابة الاجتماعية في مجتمع أصيل لم يجد صنائع الغرب المتخمين بأموال النفط سبيلا للصعود فيه..

وحتى لا يطول الاستطراد في وقائع "الربيع" وأحداثه الدامية التي روت أديم الأرض، والخوض في حقيقة ميلشياته التي ولغت كثيرا في دماء العرب مدعومة من كل أشرار العالم، سنتناول حقيقة "الربيع" اليوم عندما اغتيل الإمام والعالم محمد سعيد رمضان البوطي في سورية، بأيادي الغدر الآثمة، التي تعبث بأمن واستقرار الشعب العربي في سورية..

فلماذا اغتيل البوطي، الذي هو عالم من أكثر علماء المسلمين اعتدالا، أليس البوط عالما؟ أليس لحم العالم مسموم، فما بالك بروحه؟!!..

هذه فقط أسئلة إلى مجاميع "ربيع اليأس" الموتور. مع العلم أنهم لن يجيبوها، لأن الحقيقة لم تعد موضع شك والواقع المتردي ل"لربيع" لم يعد يسعف أصحاب نظرية التكفير والاصطفاف المذهبي والطائفي فالقتيل "سنيا" وليس "بعثيا" ولا "علمانيا" ولكنه لا يبيع الفتاوى ولا يناصر الإرهاب والتكفير ولا يعرف التوفيق بين المتناقضاتّ(الدين وبيرنار ليفي وماكين)!..

اغتيل البوطي، ودانت عملية اغتياله غالبية التنظيمات السياسية والدينية والفكرية، وتخلف أصحاب الفضيلة "علماء المسلمين" السائرين في فلك "ربيع" الرجعية والمناهضين لكتابه الثمين "الجهاد في الإسلام" عن إدانة اغتيال هذا العالم الشهيد، مثل ما هو حال أصحاب الجلالة والسمو من أذناب الغرب المتصهين.

فماذا يضير هؤلاء إدانة هذا العمل الجبان؟ إذا لم يكونوا قد ولو ظهورهم في مرحلة تردي الربيع لنظرية "تقديس العلم والعلماء" ؟!

ومن بين البيانات والتصريحات الملبسة بحب "الربيع" بيانا ذا نبرتين صدر عن حزب "تواصل" الإسلاموي، حول حادثة مقتل البوطي، ولو أن البيان لم يتخذها عنوانا، ولا فكرة رئيسية فيه، ولكنها على مضض الواقع، وبعد مغالبة النفس، أدرجت في حشو البيان، محاطة بهالة من تهويل وشجب وتقريع "نظام بشار" .. (( إن اغتيال العلامة الشيخ محمد سعيد البوطي وجمع غفير من المصلين وتدمير بيت من بيوت الله جريمة كبرى سواء كان مرتكبوه شبيحة النظام وأجهزته التدميرية - و هو أمر معقول - أو غلاة متشددون وهو أمر ممكن.

ونحن في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) بمناسبة هذه الجريمة البشعة فإننا:

- ندين بشدة مواصلة النظام المجرم في سوريا قتل وتدمير وتشريد الشعب السوري الشقيق بأطفاله ونسائه وشيوخه وعلمائه دون رادع من دين أو وازع من أخلاق.))

تلك هي أجمل فقرة في هذا البيان، الذي من مغالطاته أنه وضع خياران (لفظيان) للاتهام في مقتل البوطي، ولكنه كشف عن أنه في كلا الحالتين يتهم "الأسد"، لنعود إلى البداية ونبحث عن الطرف "اللفظي" الآخر الذي عناه "تواصل" بالقول إنها: (.. جريمة كبرى سواء كان مرتكبوه ....). ولم يكن مقتل البوطي موضع الحديث عن الدين والأخلاق بل (( ندين بشدة مواصلة النظام المجرم في سوريا قتل وتدمير وتشريد الشعب السوري الشقيق بأطفاله ونسائه وشيوخه وعلمائه دون رادع من دين أو وازع من أخلاق.. ))

حقيقة أن عشاق الربيع لديهم قدرة فائقة على تسطير المواقف والمحاباة في أمور مكشوفة، حتى لمن هو فاقد للبصر، فهل من أهداف "ربيع اليأس" خلق بشر لا على مستوى الإدراك، لا يمتلكون بصيرة.. يمكن محادثتهم بهكذا بيان؟!!

مهما يكن فإن هذا الترنح والارتجال الذي بدأ يصدر عن "عشاق الربيع" ومجاميعه يوحي بارتكاس وارتداد خطير يعاني منه "الربيع" في مراحله الأخيرة..

 

بقلم / سيدي ولد محمد فال

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122