تأمل في الدين .../ محمد سدينا ولد الشيخ

2016-09-28 08:31:00

نحن البشر نعلم أنه ليس منا من خلق تفكيره المتجدد في كل حين أو خلق أي جزء من كيان نفسه المادي أو المعنوي، الشيئ الذي يدل بجلاء أن هناك خالق خلقنا ، وهذا الخالق نعرفه بالإسم الأعظم (الله).

.

وانطلاقا من تلك المسلمة وبما أننا خلقنا من ماء وخلق جدنا آدم من طين  يكون علينا أن نبحث بعقولنا عن الهدف الذي خلقنا الخالق من أجله  وهو الغني الذي  له صفات تجعله ليس كمثله شيئ وليس  محتاجا إلينا بينما نحن مفتقرون إليه.

إن افتقارنا إلى الله يحتم علينا دائما سؤاله واللجوء إليه  وتلك هي صلتنا به ، وهنا نستنتج أنه خلقنا من أجل عبادته لحاجتنا إليه وعدم حاجته إلينا.

وفي هذا الإطار تجمع الأديان السماوية على أن الله خلق الإنسان من ماء وطين وخلق الشيطان من النار ، وكلف الإنسان بعبادته المتمثلة في اعترافه أنه عبد مكلف بأمانة الإعمار المادي والروحي في الأرض ويساعده في أداء دوره ذلك كون خلق من  المادة التي خلق  منها كل شيئ على الأرض سواء كان حيوانا أو نباتا أو جماد ، في حين خلق الشيطان من نار لأن همه ينحصر في التدمير المادي والروحي معاداة لله الذي خلق تلك النعم والتي يسعى الشيطان إلى طمسها وجحدها كفرا وفسوقا ومروقا فبطبيعته النارية يستطيع التدمير المادي والروحي.

 وقدر الله أن يلتق الجمعان في ميدان حلبة الصراع على الأرض ويكون أبناء آدم وأبناء جلدة غريمه الشيطان من الجن والإنس هما ميدان التنافس،  ليهتدي من الجن من آثر الإعمار على طبيعته التدميرية من خلال الانحياز لحلف آدم الشاكر لأنعم الله  في حين سيشقى من الإنس من آثر التخريب على طبيعته الإعمارية لأتباعه نهج الشيطان الجاحد لأنعم الله.

ولما كان الشيطان عدو الله المارق ليس خالقا وإنما هو مخلوق فإنه لا يستطيع أن يكون ندا لله الخالق ولذلك خلق الخالق في كل فئة من مخلوقاته أندادا لذلك اللعين الجاحد لأنعم الخالق عليه  ، وقد اختار من بين البشر لتولي تلك المهمة  الرسل  وجعل خلالهم معاكسة لخلال الشيطان حيث جمعوا كل الفضائل عكس الشيطان الذي جمع كل الرذائل وسخر نفسه ووقته وجهده للدعوة  إلى ارتكابها ولهذا عصم  الرسل من تأثيره عليهم فكانوا لا يأتون الخطايا التي يدعو إليها ذلك اللعين وعصموا منها ليستطيعوا أداء مهمتهم في قيادة جحافل أعدائه من جند الله على الأرض.

إن قيادة جند الله المعادي للشيطان على الأرض تجعل الرسل مبشرين بالرسالات التي بعثوا بها إلى فئات البشر مبينين أن الله خلق البشر لعبادات نهج الشيطان وكلفوا بالعبادة  وأنه ضمن تلك العبادة  أداء أمانة الإعمار المادي والروحي في الأرض وما تتطلبه من تحقيق العدل والمساواة ،ولهذا يستحيل أن يستخدم جوهر تلك الرسالات لتجسيد رسالة الشيطان سالفة الذكر ،لأن الله يريد الإعمار لا يريد الخراب .

ومن خلال ما سبق وبمراجعة تعاليم الديانات السماوية كافة ستجدون اتحادها وإجماعها على المبادئ السالفة ، وهذا الإجماع هو ما يبرر كون ( دين الإسلام) يلزم أتباعه بالتصديق بصدق الرسل السابقين لأن مهمتهم الأساسية تتشابه ومهمة رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم ) الذي هو آخر نبي ورسول ، والذي حمل رسالة الإسلام التي جاءت ناسخة لكل الديانات السماوية .

وربما يستغرب البعض هذا القول في موضوع قولنا بنسخ رسالة الإسلام للديانات السماوية التي سبقتها ويعتبره تعصبا منا لا حقيقة علمية راسخة  وذلك قبل أن يعمق القائل به  نظره في ظاهرة تناسخ الديانات السماوية ، تلك الظاهرة التي تعني تبادل الديانات للأدوار عبر الزمن وهي الديانات المتحدة في المصدر و الهدف والمضمون.

وقد سن الله تناسخ الديانات حتى لا يكون الدين حكرا على عرقية أو جنس أو زمان أو حضارة من أجل أن يعذر جميع البشر وينذرهم حتى يودوا دورهم في محاربة الشيطان ، ولذلك كان كل رسول حين يموت ويموت الأنبياء المتدينون بديانته و تبدأ الإعوجاجات تظهر في العقيدة وفي الفقه يرسل الله رسولا جديدا برسالة تكون ناسخة لما قبلها حتى يعود البشر إلى المسلك الصحيح، إلى أن وصل الدور إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا توجد نبوءات تحت رسالته فكان آخر الأنبياء والمرسلين.

وكان جوهر كل رسالة يتضمن عقيدة وفقه وقد تحيل رسالة من تلك الرسالات في أحكامهما إلى ما جاءت به رسالة أخرى سابقة لها، و من الضروري معرفة العقيدة أنها تمثل المفتاح الذي يدخل به الإنسان إلى معرفة الخالق وصفاته وحقوقه وملئه الأعلى وكتبه ورسله ووسائل وترغيبه وترهيبه كالجنة والنار ، بينما يتعلق الفقه بقواعد العبادة و نظام المعاملات التي تتطور لتشمل العلاقة بين جميع أفراد المجتمع وبين الحاكم والمحكوم .

وتمشيا مع هذا المنهج الثابت بني الإسلام على خمسة أركان :1)- أولها يلزم المسلم في مجال العقيد أن ينطلق حين إسلامه من المسلمات لأن المسلمة هي نقطة انطلاق العقل البشري ، فيشهد  أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهذه الشهادة تفيد التسليم لا الإعتقاد ، أي تسليم  قائلها بأنه أخذ ما جاء به الرسول محمد (ص) من فقه وعقيدة كمسلمات  وأنه يقبل أن يطبق عليه ، مثل ما يفعل مواطنوا الدول الحديثة والمهاجرون إليها من تسليمهم بجميع قوانين تلك الدول وقبولهم الرضوخ لها دون أن يكون أي نص من نصوصها تم التفاوض معهم عليه ، وهنا يظهر من مرة أخرى أن الإسلام انطلق من المسلمات لأنها هي التي تحدد حدود الذهن البشري  فمن دون المسلمات لم يكن ليوجد العقل البشري أصلا.

2) الصلاة :  وهي الصلة بين العبد وربه ما دام العبد هو الفقير إلى ربه كما بينا سابقا وفيه حيث يطلب العبد ربه  الرحمة به ويسأله حاجاته، ولذلك شرعت في شكل خاص  حددت لها فيه  شروط وأركان وسنن ومستحبات  وأداءها في الجماعة أفضل حيث يصطف المصلون خلف الإمام كالجند المؤتمر بأمره في مظهر يدل على تعاون المسلمين في حرب الشيطان .

وهي واجبة على كل من شهد على التسليم الشهادة المذكورة في الركن (1) حتى ولو لم يكن مقتنعا الإسلام قناعة إيمانية ، وفرضها على من دخل العقد الإجتماعي للمسلمين يتشابه مع ما تفرضه الجيوش الحديثة على منتسبيها من مصطلحات تعني كل منها حركة عسكرية معينة  لا بد من امتثالهم لها بصفة تلقائية دون نقاش وإلا عد الجندي الرافض لها متمردا ، فالصلاة إذا لها شكل ومضمون لكل منهما معانيه وأهدافه البعيدة.

 3) الزكاة : وهي حق في أموال الأغنياء فرضه الله للفقراء يصل نسبة 2.5% سنويا وهي صدقة تصرف للفقراء ولتسديد ديون الغارمين من من أرهقتهم الديون ولمساعدة المستعبدين على التحرر ، كما قد يستخدم جزء منها عند الحاجة لتسيير الشؤون العامة للدولة .

  وهي مظهر من مظاهر التضامن الإجتماعي والتشارك في أداء الهم العام ، كما أنها أيضا  مظهر من مظاهر التضامن الثنائي بين الفرد والفرد والأخوة بينهما تذليلا للصعوبات التي قد تعيق تأدية أحدهما لالتزاماته وذلك من أجل أن يبقى متمتعا بشخصيته ومكانته في المجتمع فلا يحط الفقر ونوائب الدهر من مكانته لأنها خارجة عن سيطرته.

4) الصوم : وهو مثل الصلاة في ربط الصلة بين العبد والرب حيث يدع العبد طعامه وشرابه وشهوته تقربا لله،  كما أنه يروض على الزهد في الدنيا، زيادة على كونه نوع من التدريب العسكري  اللازم في حرب الشيطان وجنده. 

5) الحج : وهو صلة كذلك بين العبد والرب ومظهر من مظاهر التعاون في حرب الشيطان والتحقير به ، كما أنه رمز من رموز وحدة الديانات السماوية لما فيه من سير على سنة النبيين والرسل كإبراهيم وإسماعيل ومحمد صلى الله عليه وسلم  فضلا عن ما يدل عليه من  ارتباط المسلمين بعاصمة واحدة وقبلة واحدة هي القبلة  نفسها التي يوجهون إليها وجوههم  5 مرات في اليوم أثناء الصلوات الخمس المفروضة ، فليست لهم قبلة سوى بيت الله الحرام بمكة .                    المحامي /  _ نواكشوط _ موريتانيا

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122