الأستاذ محمد ولد امين يكتب عن مذكرات يحيى ولد منكوس

2016-09-02 18:09:00

لقد قرأت مع كثير من البهجة النسخة الفرنسية من مذكرات السيد يحى ولد منكوس المعنونة بمذكرات إداري مدني ووجدت في العنوان تواضعاً أنيقاً وراقياً وهو تواضع نادر في أيامنا هذه حيث درج الناس على التشبث بأرفع الألقاب المهنية التي نالوها خلال مساراتهم المختلفة..

.

وكثيرا ما يتم تعريف فلان بالوزير او السفير أو الرئيس السابق.. وهي حالات عابرة لذلك فضل ولد منكوس تقديم نفسه بصفة إداري مدني وهي الصفة القانونية البحتة والتي لا يستطيع أحد مجادلته فيها وفي هذا تعبير واضح عن توخي الرجل للدقة ورغبته في الابتعاد عن الرياء.
بنبرة صدق وكثير من بساطة يروي الكاتب سنوات طفولته ويتمه المبكر وإصرار والدته على تربيته في مضارب قبيلته وتضحياتها من أجل ذلك..ثم يسرد ببساطة تفاصيل رائعة عن ذلك الزمان الفاضل رغم انتشار الفقر وعموميته بل يكشف لنا صفحة منسية من قيمنا الاجتماعية حين ذكرنا بأن كثرة المال في ذلك العهد الساذج والجميل كانت في عداد المناقص والعيوب التي لا تليق بالعوائل المحترمة بل هي صفة حصرية "لخيام آزناكة".

ينتقل بنا نحو مدرسته بكيفة ثم يستطرد في وصف أول سفر له نحو القوارب وكيف مر بمسار متعرج وطويل يمر بمالي والسنغال وخلال تلك المرحلة حافظ على روح الصدق التي اكتست مؤلفه البديع في كل فصوله ، لم يقدم نفسه بوصفه الأذكى أو الأكثر ألمعية بل حاول تقديم مساره التعليمي كما كان دون رتوش ولا تجميلات وحين أخفق في امتحان التخرج تحدث عن ذلك بدون عقد نقص وأعتقد ان الرجل صادق بطبعه كما ان نجاحاته اللاحقة محت كل إخفاقاته وجعلته رجلا خالياً من العقد.

سافر لفولتا العليا للدراسة ولم يتحمل ظروف الحياة هناك وأعاد الكرة وتمكن من دخول مدرسة الطبابة الإفريقية وتخرج كممرض رئيس ثم وبرغبته تحول إلى قطاع التعليم وأتيحت له فرصة المشاركة في مسابقة المعهد الإداري بفرنسا ووفق فيها فسافر لباريس وعاد إدارياً مدنياً.

في نهاية الخمسينيات بدأ مشواره السياسي في حزب النهضة المعارض للوجود الفرنسي وأوضح كثيرا من التفاصيل وبدد كثيرا من الأوهام المتعلقة بهذا الحزب الذي ربطته دعاية الإدارة الفرنسية بالسعي للانضمام للمغرب وسرد أنواع المضايقات التي تعرض لها شخصياً بسبب مواقفه السياسية.

رب ضارة نافعة سيدخل حكومة موريتانيا المستقلة كوزير عن حزب النهضة اثر ما يعرف بمفاوضات الطاولة المستديرة، تأتي شهادة الرجل عن تلك الفترة لتكمل معلوماتنا التاريخية عن أحداث بداية التأسيس.. وكيف انتقلنا تدريجيا من نظام برلماني نحو نظام رئاسي ثم نحو نظام الحزب الواحد وتصل هذه الذكريات أوجها عند مؤتمر كيهيدي الذي سيحول موريتانيا إلى دولة يسارية شمولية.


أحداث1966 سيدفع صاحبنا ثمنها غالياً حيث سيقوم النظام بتحميل الوزير محمد ولد الشيخ مسؤولية ما حصل بل هناك من سيتهمهم بمحاولة انقلابية غير واضحة المعالم وهنا سيجد ولد منكوس نفسه في وضعية لا يحسد عليها فهو غير مستعد للتنصل من صديق العمر وغير معني بخلافات أبناء العمومة لكنه استسخف على الرئيس طبخه في مرق ولد الشيخ!

لن يطول مقامه بباريس التي عين فيها اذ بعد وشاية سيتم استدعاؤه وسيكلف بمناصب من الصف الثاني كمستشار لوزير النقل وقد كان وزيرا للنقل ثم حاكماً لمقاطعات عديدة ومع الوقت وبجهد جهيد سيتم ترفيعه لمنصب والي.. وحتى سقوط نظام الرئيس الراحل.
هنا يجب التنبيه إلى نقطتين مترابطتين وهما ان يحى ولد منكوس لم يغفر تلك المعاملة المجحفة التي عومل بها بل سيسعى لرد الصاع صاعين ولذلك سيكشف لنا كيف سافر لنواكشوط ونسق مع شخصيات عسكرية ومدنية مخطط الانقلاب وتولى عنهم تحريض رئيس الأركان احمد ولد بوسيف على الإطاحة بالنظام وسيتحلى بنفس الأمانة التاريخية ويكشف لنا موقف ولد بوسيف الرافض للفكرة بحجة استقباحه للغدر وتعلقه بالمودة الشخصية التي تربطه بالرئيس المؤسس.
النقطة الثانية وهي الأهم هو انه رغم مشاعره غير الودية تجاه النظام الحاكم ساعتها لم يغمط أحداً حقه ولم يصادر مناقبه.. لذلك نجده في أكثر من مرة ينوه بوطنية الرئيس الراحل ويعترف له بخصاله بل يستشهد بمراسلات جميلة بينهما.

تدور الأيام ..ويكون بمقدوره التحقيق مع وزراء النظام المطاح به للتو حيث أصبح مديراً للأمن فلم يستغل المنصب لتصفية حساباته الشخصية أو الانتقام من كل المضايقات التي تجرعها خلال سنوات طويلة من حياته.
في الكتاب معلومات ثمينة حول الخلافات الحدودية مع جمهورية مالي وتصورات الكاتب في المسألة الصحراوية..كما انه ينقل لنا الكثير من حيثيات الإدارة الموريتانية في تلك الفترات الشاحبة والمقترة.

يعود الفضل لهذا الرجل في تأسيس جامعة نواكشوط وفي إرساء مشاريع عديدة خلال مناصبه الكبيرة المتعددة وبسبب ذلك يمكن اعتباره واحداً من أبرز شخصيات جيل التأسيس.

أنصح الشباب بقراءة هذا الكتاب المفيد والممتع لكي يعرفوا ان هذه البلاد لم تولد بسبب الصدفة.. وإنما بعد عمل دءوب وشاق تولته كوكبة من خيرة أبنائها.
حفظ الله العميد يحى ولد منكوس ومتعه بالصحة والعافية.. ولكم أتمنى أن يحاكيه الإداريون من أهل هذه البلاد وأن يقلدوه في صدق الحديث ونقاء السريرة فلا أكثر ضرراً على بلادنا من الحاكم الكذاب.

 

نقلا عن صفحة الأستاذ: محمد ولد امين على الفيس بوك

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122