الجامعة العربية والكيانات الموازية

2016-08-11 03:33:00

وجدت الجامعة العربية من عدم لتكون رحما اصطناعيا يحتضن الدول الوطنية التي لا بد من تضامن أفرادها على أساس قومي جامع، مانع لأسباب تضامن أخرى كالطائفية والتعصب الديني وغيرهما من وسائل إنتاج الكيانات الموازية للدولة وللأمة.

.


وحققت الجامعة العربية نجاحات معتبرة في هذا الاتجاه مع ظهور تيارات قومية مختلفة الرؤى تتنافس لكسب المواطن العربي وتوحد مواقفه من قضاياه المركزية مثل القضية الفلسطينية التي تبناها المسيحي والمسلم على حد السواء.
غير أن تلك التيارات التي نما في ظلها الشعور الوطني والقومي وصهرت كل المكونات الدينية والطائفية ومنعت ظهور كيانات موازية للدولة ووفرت عيشا كريما لأغلب مواطنيها لم تنج من أكلة خيبر، لأنها مصنفة خارج إطار الشرعية الدولية.
و الشرعية الدولية التي عملت على التخلص من تلك الأنظمة لم تعط لجامعة العرب دورا ولم تقم لها وزنا بعد ذلك ،وقنعت تلك الجامعة بمقام الطاعم الكاسي الذي لا يطمح للاضطلاع بدور داخل الأمة فأحرى خارجها .
تراجع دور تلك الجامعة ولم تعد تلبي تطلعات الشعوب التي تريدها حاضنة تحتضن الدولة الوطنية وتتحمل بمسؤوليات تلك الدولة إن فشلت في تأدية مهامها الأساسية ،وهو الدور الذي لم تطلع به حين فشلت دول كثيرة وبخاصة الدول التي كانت تحكمها تلك التيارات القومية سالفة الذكر، و التي تم استهدافها والتخلص منها نهائيا قبل الربيع العربي وأثناءه.
غياب دور الجامعة على ذلك النحو مهد لتكالب الأمم على أطراف الوطن الكبير تأكله كما تأكل النار الهشيم ، وفي بعض الأحيان وظفت تلك الأمم أطرافا عربية لتمرير أجندتها الخبيثة.
إن غياب الجامعة العربية عن المشهد الوطني والدولي حتم على الشعوب البحث عن جامعات موازية أخرى تقيها شرور الطائفية والتعصب الديني فوقع اختيار كثير من الناس على التيارات الدينية مثل جماعة الإخوان المسلمين وهم أحد التيارات الموازية للجامعة العربية . ووجه الشبه بينهما أن جماعة الإخوان لا ترجح مذهبا على مذهب ولا طريقة على طريقة وليست لها وجهة نظر في الاعتقاد تفصل خصومة المتلاعنين في الدين ، وهو شمول رفع حظوظها الإنتخابية لكنه ربما يضعف تضامنها الداخلي بمجرد الوصول إلى السلطة حين يعود كل أهل طائفة ومذهب إلى ما فطروا عليه.
 لكن المشكلة الكبرى أن تلك الخصائص التي مكنتهم من الفوز بانتخابات بعض البلدان لم تكن كافية ليكون نجاحهم المذكور عملا ديمقراطيا مباركا من قبل الشرعية الدولية ما أوقعهم في الفخ نفسه الذي سقطت فيه التيارات القومية قبل ذلك ، فضاعت مكاسبهم الإنتخابية وصاروا في موقف حرج يحتم عليهم إما رفع السلاح في وجه الدولة باسم الدين كما تفعل (داعش) وإما التسليم بالواقع والذوبان في التيارات الوطنية. 
وقبل هذا وبعده يضيع العرب السنة في العراق تطحنهم رحى سندانها تنظيم الدولة الإسلامية - الذي هو كيان آخر مواز للجامعة العربية – ومطرقتها الطائفية التي يدعمها التحالف وسيظل يدعمها حتى يحقق أهدافه المتمثلة في تشكيل جامعتين هما : الجامعة العربية السنية والجامعة العربية الشيعية.
وإن بقيت الأحداث تسير بالمنحى الخطي الحالي فمن المؤكد ظهور جماعتان أو جامعتان على ذلك النحو تمثلان نظام الشرق الأوسط الجديد الذي ستختفي منه الدولة الوطنية، كما حدث ويحدث في العراق ويوشك أن يقع في سورية واليمن (وقد أكل الثور الأسود يوم أكل الثور الأبيض).
وفي ظل هذا الواقع الدولي الذي لا يريد بقاء للعرب سواء كانوا قوميين أو إخوانيين أو سلفيين أو مسيحيين تبقى الشعوب العربية حائرة تائهة دون أن تفقد الأمل ، وحين تستغيث بالجامعة العربية يجيبها بالقول :
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تناد
ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد

 

ولهذا نأمل أن تبعث الجامعة العربية من رمادها في قمة الأمل المنعقدة حاليا بنواكشوط حتى تطلع بدورها المناسب في قيادة الأمة وتضميد جراح الأوطان.


المحامي / محمد سدين ولد الشيخ / من موريتانيا


[email protected]

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122