مرصد الغة العربية يكرم العميد محمذن ولد باباه

2016-05-17 06:33:00

(إيجاز صحفي) - انعقد في عطلة الأسبوع الماضي نشاط ثقافي وفكري هام بدار الشباب القديمة، كرسه المرصد الموريتاني للغة العربية للاحتفاء بعلم من أعلام السياسة والثقافة المعاصرين هو الأستاذ محمذن ولد باباه لتكريمه على جهوده في خدمة اللغة العربية،

.

وما قام به من خطوات جريئة في التعامل مع لغته الأم في وقت مبكر من بداية مشواره المهني حين كانت البلاد تخطو في عامها الثاني من الاستقلال الوطني، وهي خطوات اعتبرت بمثابة هبات أكسجين نظيف تتسللت إلى قاعات ملوثة بثاني أكسيد الكربون الذي سببه فرض اختناق ثقافى من خلال لغة مستعمر تركها لتخدمه في بلد أكثر مما خدم نفسه، و لم يقتصر دور محمدن على وضع اللبنات الأساسية للجهود القائمة إلى اليوم من أجل عودة الروح لمنظومتنا التربوية التي ألحقها المستعمر بصلب نظامه التعليمي، بل ظل يخدم كتابة تاريخ بلده الثقافي على نحو علمي دقيق تأليفا وتحقيقا.

كان الهدف الأساسي الآخر من التكريم هو تأكيد المرصد الموريتاني للغة العربية على أن المكانة المتواضعة التي تمتعت بها اللغة العربية اليوم لم تأت بشكل تلقائي ولم تكن هِبَة من طرف دولة ما سمى ( الاستقلال) وإنما كانت عبارة عن سلسلة من الانتصارات أنجزت على ساحة صراع، بل في ميدان معركة على امتداد خمسين سنة، ضحى الكثير من الناس من اجله، ولكن هناك ادوار بارزة لشخصيات متميزة ومواقف شجاعة في فترات مظلمة هي التي مكنت من استمرار الشعلة وحالت دون ضياع المشعل في فترة كان كل شيئ فيها من أنواع الضياع والتيه ممكنا.

ولاستمرار الرسالة وتحمل الأعباء لا بد من تذكر تلك المواقف المؤسِسَة للرواد الأوائل والإشادة بهم بعد أن بدأ الشهود العيان يتساقطون بمفعول الزمن الطبيعي واعتلاء أجيال ـ كانت في المهد آنذاك ـ لمسارح الحياة العامة، دون أن تعرف بالضرورة أن هناك من هيئوا لهم الطريق وأن هناك من لهم دين عليهم، إذ يقول المثل : من المناسب ونحن نتناول الماء أن نتذكر منبعه) .

من بذلوا جهدا من أجل لغتهم وهويتهم في مسيرتها الشاقة والمتعثرة خصوصا إذا كانوا أحياء ليروا مرة واحد أن مواقفهم وتضحياتهم مقدرة ومعتبرة، ولعل الأستاذ الذي كرست الندوة لتكريمه  محمذن لد باباه من أبرز  هؤلاء وينبغي أن يتناول من جانبين:

أولا : الخطاب التاريخي الذي ألقاه في نهاية سنة 1962 وهو أصغر اساتذة ثانوية نواكشوط أمام الرئيس المختار ولد داداه وحكومته، وكبار المسؤولين في الدولة والسلك الدبلوماسي، والمطالبة لأول مرة بالتعريب وترسيم اللغة العربية، خطاب خلق هزة لا سابقة لها، وكان الشرارة الأولى التي أعادت الأمل إلى نفوس الشباب التائه ثقافيا وحضاريا،

ثانيا : إصلاح التعليم الذي قام به عندما فرضت الظروف تعيينه وزيرا للتعليم واساسه فرض بالكلوريا عربية وفتح قناطر عديدة لدمج التعليم الأصلي في التعليم النظامي الذي تتكفل به الدولة.

النشاط حضره السواد الأعظم من نخبة البلاد الفكرية والسياسية، ووجوه الشعر والكتابة المعروفين واستهل  بكلمة افتتاحية  للمرصد ذكر فيها رئيسه الدكتور : أحمد دولة ولد محمد الأمين أن مووضوع الندوة والتكريم هو (أن نقول للمحسن أحسنت ونسكت عن من لم يوفق للإحسان.  أن نقول شكرا للذي حاول أن يوقد شمعة في عتمة ليل بهيم, حيث لا قمر يستنار به,  ولا نجوم  يهتدى بها.  أن نقول شكرا للذي يضطلع بالأمر العام نيابة عن العامة  ولا يلوي على أحد.  و عادة الناس الاختلاف, فهم صنفان أحدهما لا يبالي إلا بما يمسه دون غيره,  وبعضهم لا يرضى إلا بما يرضي الجميع مقتديا بقول الشاعر:

فلو أني حبيت الخلد فردا         لما أحببت بالخلد انفراد

فلا هطلت علي ولا بأرضي     سحائب ليس تنتظم البلادا

        مقدمة المرصد فتحت المجال لبحث علمي مفصل أعده وقدمه الدكتور محمد ولد البرناوي أستاذ مادة علم الاجتماع والفلسفة في جامعة نواكشوط عن المحطات البارزة لدور الأستاذ في خدمة اللغة العربية، وكان البحث مفصلا ومعتمدا على الوثائق والمراجع الكثيرة، وظهرت بصمات البحث العلمي الجاد على كل فقراته الطويلة، التي ظل الجمهور منصتا لها بعناية شديدة حتى بعد أن استنزفت ما يزيد على ساعة كاملة من الوقت.

بعد المحاضرة افسح المجال للشهادات حيث ووردت منها اثنتان: الأولى للسياسي والشخصية الوطنية المعروفة : اسماعيل ولد اعمر مؤكدا أن ما قام به محمدا ولد باباه هو إدخال اللغة العربية في وقت قياسي  إلى قلعة اللغة الاستعمارية وهي المدرسة النظامية،كما أكد اسماعيل أنه من جيل سافر للدراسة في الخارج وهو لا يستطيع تهجية الحرف العربي بفعل ما كان متبعا في النظام التعليمي الفرنسي.

جاءت الشهادة الثانية للسياسي والكاتب الكبير محمد يحظيه ولد ابريد الليل الذي اعتبر أن الأستاذ من شخصيات وطنية قليلة مأمونة الجانب، وأنه هو كان على الدوام مستعدا للحديث معه في كل الأمور حتى التي لا يصدق أحد ان باستطاعته الحديث معه حولها كما هو حال انقلاب العاشر من يوليو الذي وقع على حكومة كان محمذن وزير دفاعها، فهو ينظر إليه كما يتعامل أتباع الكنيسة مع رهبانهم يبوحون لهم بكل الخطايا التي ارتكبوا والتي قد ينوون ارتكابها، قائلا أن صدقه كان يشبه صدق الصحابة، ووفاءه يشبه وفاء السموأل، وحلمه يشبه حلم الأحنف بن قيس.

ثم وردت مداخلات معدة ومكتوبة من قبل كل من : الأستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف، يحي ولد البراء، عبد السلام ولد حرمه أكدت جميعها على دور الرجل في خدمة العلم وعلى أخلاقه النادرة، وظل أغراء الحديث كبيرا لدى الحاضرين حتى وقت متأخر حيث تدخل كل من : محمدن ولد الشدو، الخليل ولد الطيب، الداه ولد الحسين، الشيخ ولد الشواف، وشهدت نهاية الندوة بعض الحجاج سببه اختلاف وجهات النظر في بعض ما ورد في المحاضرة، خصوصا العلاقة بين محمذن ولد باباه والرئيس المختار ولد داده..

المقيمون على الندوة وعدوا بطابعتها على شكل كتاب وتوزيعها في أقرب الآجال.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122