ناصريو موريتانيا يحيون ذكرى الشهداء ويعلنون مواقفهم من مختلف القضايا (+ نص البيان)

2016-04-17 04:19:00
خلد ناصريو موريتانيا اليوم الذكرى الـ 32 لشهداء انتفاضة العام 1984 الناصرية والتي سقط فيها الشهيدان: سيد محمد ولد لبات وأحمد ولد أحمد محمود جراء التعذيب الشديد الذي تعرض له العشرات من معتقلي تلك الانتفاضة في مخافر الاعتقال وزنزانات السجون. .
 
وتم هذا التخليد في فندق وصال بالعاصمة نواكشوط الذي غصت قاعة الاجتماعات فيه بمئات القيادات والأطر والشباب الناصريين فضلا عن باحتها الخارجية.
 
كما حضر هذا التخليد العديد من الوجوه والقيادات السياسية من مختلف الأطياف السياسية والقوى القومية في البلاد.
 
وتضمن التخليد العديد من المداخلات لرموز وقيادات الساحة الناصرية في موريتانيا؛ وإلقاءات شعرية، وشهادات حية من سجل تلك الانتفاضة.
 
كما تلي نص البيان الذي أصدرته لجنة التخليد بهذه المناسبة؛ والذي جاء فيه:
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
<من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا> صدق الله العظيم
 
الندوة المخلدة للذكرى الـ32 لشهداء انتفاضة 1984 الناصرية في موريتانيا
 
فندق وصال،السبت 16 إبريل 2016
 
بيان
 
أيها الإخوة،أيتها الأخوات
 
لقد استطاع الرواد الأوائل للفكر الناصري في موريتانيا أن يبلوروا خطابا ثوريا وطنيا وقوميا، انتشر بشكل واسع خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وبلغ أوجه في الثمانينيات مع تأسيس التنظيم الوحدوي الناصري في موريتانيا، الذي سيطر على المنظمات النقابية العمالية والطلابية وتغلغل داخل مختلف القطاعات المهنية الفاعلة في البلد.
 
وجاء هذا الانتشار السريع نتيجة تضافر جملة من العوامل، على رأسها وضوح الخطاب الناصري الذي يركز على ضرورة القضاء على كافة أوجه التفرقة بين مكونات المجتمع انطلاقا من تكامل الأبعاد العربية والإفريقية والإسلامية للشخصية الوطنية، ويحارب دون هوادة دعوات التغريب والفرنسة المتغطرسة بشعار قوي في تلك المرحلة: "بالدم واللهيب يتم التعريب"، ويناضل من أجل قيام دولة الحرية والعدالة والوحدة على الصعيد الوطني.
 
أما على المستوى القومي فقد أكد الطرح الناصري على رفض مسار المساومات والمفاوضات والتنازلات الذي جعل العرب يخسرون الوقت والجهد والمال والكرامة دون أن يستعيدوا شبرا من الأراضي العربية المحتلة سواء من طرف الكيان الصهيوني أو غيره من قوى الاحتلال والتوسع، ودون أن يحققوا أي مستوى من التنمية المستقلة، كما وعد بذلك دعاة النكوص والاستسلام، الأمر الذي يؤكد سلامة الرؤية الناصرية التي لخصتها لاءات الخرطوم العظيمة: "لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف،" و"أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها" وأن الحق من غير القوة ضائع وأن السلام بدون قوة الدفاع عنه استسلام؟، وأن قوة الدفاع عن السلام العادل لا تتحقق إلا في ظل الوحدة العربية الشاملة التي هي أرقى درجات الاستقلال العربي؛ كما يقول عبد الناصر.
 
وهكذا اتخذ الناصريون في موريتانيا من هذا الخطاب سلاحا فكريا التفت حوله جماهير الشعب في مختلف المناطق وداخل جميع الشرائح الوطنية، وباشروا النضال ضد ثالوث التخلف والغبن والاستبداد بكافة الوسائل المتاحة، تثقيفا وتوعية للجماهير ورفضا واحتجاجا على كل أشكال الظلم ومظاهر الاستبداد السياسي الذي كمم الأفواه وقطع أرزاق الناس ونهب الثروات.
 
وتشكل انتفاضة 1984 المجيدة المحطة الأبرز من بين محطات هذا النضال المشرف (بل النضال الوطني الحديث برمته) حين قرر الناصريون صيف 1983 مواجهة النظام القائم آنذاك، والذي أوصلت سياساته البدائية البلد إلى حافية الهاوية: إفلاس اقتصادي شامل وغياب لأبسط الخدمات الأساسية، حيث وصل البؤس والحرمان والمجاعة حد الكارثة الوطنية، وانكفأ النظام على نفسه في عزلة عن الأشقاء وعن العالم أجمع.. وبدل مواجهة ومعالجة هذه الأوضاع المزرية على كافة الأصعدة؛ شرع ذلك النظام في حملات لتضليل الشعب ومطاردة وتصفية معارضيه من جميع الأطياف السياسية الوطنية؛ فحول البلد إلى سجن كبير، وفرض على قطاعات واسعة من النخبة السياسية أن تعيش في المنفى الخارجي.
 
أيها الإخوة، أيتها الأخوات
 
لقد جاء الرد الناصري الرافض لهذا الواقع بكل تجلياته واعيا، قويا، شجاعا، شاملا، ومنظما، فاتخذ شكل الانتفاضة الشعبية بكل مواصفاتها، حيث غصت الشوارع والساحات بالمناشير التحليلية التعبوية التي عرت واقع نظام فاسد ومستبد، وحرضت جماهير الشعب وطلائعه الحية على التحرك لمواجهته، ثم أعقب ذلك ظاهرة الكتابات الجدارية التي عمت جميع مدن البلاد في ليلة واحدة معلنة ومعبرة عن مطالب شعب بأكمله، ومنددة بالواقع المرفوض.. فردا على واقع البطالة المنتشرة وتوقيف الاكتتاب والتوظيف؛ كان شعار (لا للطرد الجماعي للعمال)، وفي وجه التعسف الممارس على التلاميذ والطلاب جاء شعار (لا لطرد التلاميذ والطلاب)، وفي مواجهة أوضاع البؤس والحرمان في القرى والأرياف نطق بتلك المعاناة شعار (لا لإهانة شعبنا في الريف)، ورفضا لابتزاز المواطنين والثراء على حسابهم كان شعار (ضريبة التبرع تساوي ثراء الحاكمين)، كما عبر شعار (لا ليبرالية الصحة والتعليم) عن مظلمة شعبية كبرى مازالت فئات عريضة من شعبنا تدفع ثمنها الغالي حتى يومنا هذا؛ أما رفض وإدانة نظام الثلة الظالم المستبد حينها فعبر عنه بوضوح شعار (لا للتحالف العسكري الرأسمالي)؛..
 
وكانت النتيجة المباشرة لكل ذلك أن عمت الإضرابات الطلابية والعمالية والمظاهرات الشعبية الاحتجاجية أرجاء الوطن كله.
 
ومع أن هذه الانتفاضة لم تخرج عن سياق الاحتجاج المدني السلمي، ولم يسجل خلالها اعتداء على ملكية عامة أو خاصة؛ رغم هذه الميزة السلمية الفريدة، فقد جن جنون النظام وواجهها بأفظع صنوف القمع ومارس أشكالا من التعذيب الوحشي لم يعرفها البلد في تاريخه على المئات من التلاميذ والطلبة والعمال والأطر داخل مخافر الاعتقال وزنزانات السجون؛ فضلا عن الإيذاء النفسي الذي مورس بحق عشرات آخرين في إقاماتهم الجبرية، وفي مختلف مدن البلد وولاياته.
 
وكان من نتائج هذه الحملة القمعية الوحشية المباشرة استشهاد الشهيدين سيد محمد ولد لبات يوم 13 إبريل 1984 داخل مخافر مدرسة الشرطة بنواكشوط، وأحمد ولد أحمد محمود يوم 3 مايو 1984 بمفوضية الشرطة بأطار، وما زالت آثار ذلك التعذيب الوحشي بارزة على أجساد وفي نفوس المئات ممن كتبت لهم النجاة من جحيم هذه المحرقة، وتلاحق مضاعفاته الكثيرين منهم.
 
نسأل الله العظيم أن يتقبلهم جميعا شهداء، وأن يرفعهم عنده إلى درجات عباده المخلصين، هم من لحق بهم من إخوتهم المناضلين.
 
أيها الإخوة؛ أيتها الأخوات
 
لقد كان من آيات عظمة هذه الانتفاضة أن موجة الاعتقالات الواسعة التي طالت رموزها وبعض قياداتها الميدانية، وما تعرضوا له من صنوف التعذيب والإيذاء النفسي والبدني؛ كل ذلك لم يزد تلك الانتفاضة الفريدة إلا اشتعالا وانتشارا؛ حيث تسارعت وتيرة توزيع المناشير والكتابات الجدارية؛ وظل التنظيم محتفظا بقدرته العالية على سد الفراغ الناتج عن كل اعتقال جديد؛ وهو ما أربك النظام وأجهزته الأمنية وأفقدهما الصواب وزادهما توحشا وإرهابا، لكن دون نتيجة؛ حيث ظلت الانتفاضة مستمرة وآثارها تفعل فعلها المؤثر في التحالف العسكري الرأسمالي الحاكم إلى أن تصدع تماما وانهار نهائيا عشية الثاني عشر من دجمبر عام 1984؛ لتكون بذلك انتفاضة 84 أول انتفاضة وطنية يكون من نتائجها المباشرة سقوط النظام الذي اندلعت في مواجهته.
 
وما كان لهذا كله أن يتحقق لولا قوة التنظيم الناصري الذي قاد الانتفاضة، وشدة ارتباطه بقضايا المواطن الموريتاني، وملامسته المباشرة لآلامه وآماله؛ هذا فضلا عن الحاضنة الشعبية الواسعة والدافئة التي تلقفت المناضلين الناصريين وآوتهم ونصرتهم؛ وهي مناسبة لا يمكن أن تمر دون توجيه تحية مستحقة لتلك الحاضنة ولهذا الشعب العظيم ولكل جنوده المجهولين الذين أيدوا وآووا ونصروا؛ فلهم كل التحية ولهم كل الوفاء.
 
 
 
 
 
أيها الإخوة أيتها الأخوات
 
إننا نخلد هذه الذكرى المجيدة وفاءا لشهدائنا وتعبيرا عن الإيمان الراسخ بالمثل والقيم التي استشهدوا من أجلها، والتزاما منا بالخط النضالي الذي عبرت عنه انتفاضة 1984 سبيلا لتحقيق مطالب الجماهير في الحرية والعدالة والوحدة.
 
من هنا؛ فإن الناصريين، مهما كانت مواقعهم وانتماءاتهم السياسية، مطالبون اليوم؛ وأكثر من أي وقت مضى؛ بتوحيد جهودهم ورص صفوفهم في وجه حركات التغريب ودعوات التنكر للهوية الوطنية العربية الإسلامية للبلاد، كما أنهم معنيون مع غيرهم من القوى الوطنية بتعزيز المسار الديمقراطي وتطوير وسائل النضال السلمي.
 
وفي هذا السياق فإن القائمين على هذه المبادرة، يؤكدون على ما يلي:
 
أولا: ضرورة تشكيل لجنة حقوقية للبحث عن الآليات القانونية الكفيلة باسترداد حقوق أسر الشهداء وضحايا التعذيب خلال انتفاضة 1984 المجيدة.
 
ثانيا: إذا كان الناصريون قد رفعوا منذ أوائل ثمانيات القرن الماضي شعارا مقبولا في حينه (بالدم واللهيب يتم التعريب)؛ فإنهم اليوم يؤكدون رفضهم القاطع التنازل عن مطلب كانوا مستعدين للتضحية بدمائهم وأرواحهم من أجل فرض تحققه، وعليه فإنهم يشددون على رفض تعطيل الدستور خصوصا فيما يتعلق باعتبار اللغة العربية لغة رسمية للبلاد، وينددون باستمرار فرنسة الإدارة، ويطالبون بضرورة تعريب كافة المرافق الإدارية والتعليمية، احتراما للدستور المجسد لإرادة شعبنا ومكاسب نضالنا لأننا لا يمكن (تحت أي ظرف ووفق أي مبرر) أن نقبل بأن تظل المكاسب الدستورية في هذا المجال مجرد "حبر على ورق" من أجل سواد عيون قلة فراكفونية انسلخت من كل انتماء حضاري أو التزام ديني أو خلقي.
 
ثالثا: يؤكدون على تشبثهم بالوحدة الوطنية المبنية على تكامل وانسجام الأبعاد العربية والإفريقية والإسلامية للهوية الوطنية الموريتانية، في إطار يحفظ للمكونات الوطنية خصوصياتها الثقافية داخل دولة قانون تضمن للجميع فرصا متساوية؛ كما نص على ذلك دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
 
رابعا: يطالبون بالعمل الجاد من أجل القضاء على ظاهرة الاسترقاق وكافة مخلفاتها باعتبارها جريمة ضد الإنسانية وممارسة غير أخلاقية متخلفة واستهانة بكرامة الإنسان، وذاك شرط ضروري لضمان المساواة وتعزيز التعايش السلمي بين كافة مكوناتنا الوطنية.
 
خامسا: يشددون على أن العدالة الاجتماعية هي أهم شروط الديمقراطية السياسية السليمة، وهي المدخل الأساسي لمحاربة ظواهر الغلو والتطرف والإرهاب، كما أنها القاعدة الصلبة للاستقرار والتنمية.
 
سادسا: يجددون التزامهم بالخط الوطني المسئول الذي يغلب المصلحة العليا على ما سواها من الاعتبارات الضيقة، ويتبنى مبدأ الحوار بين الشركاء السياسيين سبيلا للوصول إلى مخارج سياسية تسع الجميع وتضمن التداول السلمي على السلطة؛ إذ أن مطالب التغيير المشروعة لا يجوز أن تتخذ ذريعة لتكفير المجتمعات العربية الإسلامية، ولا وسيلة لإشعال الحروب الأهلية، أو أداة لهدم الدول وتحطيم الإنجازات والمكاسب المحققة.
 
سابعا: يدينون كافة المخططات الغربية والصهيونية التي عملت على تصفية القضية الفلسطينية عبر تفجير وتأجيج الحروب الأهلية والطائفية في مختلف الدول العربية، ويؤكدون على أن الهدف الأسمى للجماهير العربية سيبقى هو تحرير الأرض الفلسطينية من رجس الاحتلال الصهيوني البغيض، وأن كل حركات المقاومة التي تتخذ قضية فلسطين قبلتها الوحيدة؛ يجب أن تظل محل احتضان ومؤازرة وتقدير.
 
ثامنا: يحيون انتفاضة الأقصى الحالية داخل الأراضي المحتلة، ويشيدون بالصمود البطولي للشعب الفلسطيني الذي يبدع في كل فترة وفي كل مكان؛ حتى داخل زنزانات الاحتلال؛ أساليب نضال جديدة تربك خطط العدو الصهيوني وتبقى قضيته حية في نفوس أحرار العالم، رغم انكفاء العرب عما يدعون أنه قضيتهم المركزية، وانشغالهم بالدروب الفرعية عبر موجة من الاقتتال الداخلي على أسس طائفية مذهبية مقيتة، مستعيدين الصور العفنة لحروب داحس والغبراء.
 
إن الناصريين وهم يخلدون الذكرى الـ32 لشهداء انتفاضة 1984، ليترحمون صادقين على كافة شهداء الأمة الذين استشهدوا خلال معارك التحرير ومواجهة مخططات الامبريالية العالمية.
 
 
 
عاشت موريتانيا حرة عربية مسلمة
 
المجد والخلود للشهداء الأبرار
 
عاش الناصريون وقودا للثورات ودعاة للحرية
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122