الأطلال في "الشعر الحساني" عنوان محاضرة بالثقافي المغربي

2016-04-14 08:35:00

احتضنت قاعة المحاضرات بالمركز الثقافي المغربي فى نواكشوط مساء أمس الأربعاء 13 أبريل 2016 محاضرة أدبية  تحت عنوان:" الأطلال في الشعر الحساني"

ألقاهاها الأديب والإعلامي المعروف الدده محمد الأمين السالك وحضرها لفيف من كبار الشخصيات الأدبية والثقافية .

.

المحاضرة افتتحها مدير المركز الدكتور محمد القادري بكلمة قيمة رحب فى مستهلها بالحضور  قبل أن يحيل الميكرفون للمحاضر لتقديم عرضه .

وهذا نص المحاضرة :

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم   
                             وصلى الله على نبيه الكريم
                 جمالية الأطلال في الشعر الحسانى

   الأبعاد الجمالية فى الشعر الحسانى لاحدود لها..فهي كثيرة وثرية وغنية بالقيم الأدبيةالرفيعةومتنوعة بتنوع المواضيع التى يتناولهاالشعراء..فالانسيابية والقدرة على الإجاز والحيرة والغرض الخفي والصورة بمختلف أنواعها المادية والمعنوية وحتى الشعورية:اللقطة والبانوراما وصورة الزمن بفصوله وصورة الوقت بمختلف مكوناته المرئية والمحسوسة وغيرها من الجماليات الرائعة كلها تجعل من الشعر الحسانى أدبا رفيعا بكل المقاييس بل إنه يتمتع بميزات نادرة من الحميمية والقرب من النفس والقدرة على التعبيرعن الأحاسيس والهواجس وكوامن النفوس.
   لكن هناك جمالية طالما استحوذت على اهتمام شعراء الشعر الحسانى وأرقت لياليهم وقضت بذكراها ومرآها مضاجعهم وقهرت كبرياءهم..إنها جمالية الطلل.


                       

     الإنسان..والطلل


 ارتباط الانسان بالمكان قديم قدم الإنسان نفسه..فالإنسان وُجدليعمرالمكان ويرتبط به ويجعل منه صديقا حميما ومأوى يأوي إليه للخلود إلى الراحةالنفسية والبدنية.
 وقد ارتبط المكان بالوجدان البشري لدرجة أنه تحول إلى ملهم يفرض نفسه على الناس ويستسلمون لإملاآته دون مقاومة .

 وقد عرف ارتباط الإنسان بالمكان نفسيا ووجدانيا تطورا كبيرا وأطلق عليه كثير من الأسماءحتى لايمحي- في حال خلوه من ساكنيه- فيظل حيا نضرافي الذاكرة.

فالدمن والدياروالمرابع والأطلال كلها مسميات لاسم واحدهوالأماكن التي ارتحل عنهاأصحابهاوهجروهاولم يتركوافيهاإلاآثارادارسة،من أواري ونؤي وبقايا رماد.

        قد تندرس الدمن بفعل تعاقب الليالي والأيام..قد يعفيها الدهر ويختزنها في ذاكرته الزمن..ولكنها تبقى حية نضرة نابضة بالحياة في أذهان أصحابها..يتنقلون بين رسومها..هذا يتأوه ويناجي الباقايا الباقية من تلك الرسوم :

يا دارَ مَيّة بالعَليْاءِ ،فالسَّنَدِ،  أقْوَتْ ،وطالَ عليها سالفُ الأبَدِ

وقفتُ فيها أُصَيلالاً أُسائِلُها،عَيّتْ جواباً،وما بالرَّبعِ من أحدِ

إلاّ الأواريَّ لأياً ما أُبَيّنُهَا،   والنُّؤي كالحَوْضِ بالمظلومة الجَلَدِ 1

وهذا يستنهض جانب الزمن في المكان، فيحول اللحظات الزمنية -التي هي ظرف زمان – إلى مايمكن أن نطلق عليه  " زمان المكان "-إن صح التعبير – لأن تلك اللحظات تستمد حضورها – من أصله – من قوة المكان بحضوره المكثف في النفس والذهن والوجدان :

أيا نوبتي عند الهوّيدج والتي  ***   بـريع بني دامان في الصيف ولّتِ

فكلتاكما لم يبق من رسم آيها  ***   سوى ملّة منها العواصف ملّتِ

وكلتاكما لما عرفت رسومها ***  تحرك من عرفانها حرف علّتِ

أقبّل من ذي مرة ثم من ذهي * رسوما كأخلاق الرّداء اضمحلّتِ

وتقبيل رسم الدار من بعد أهلها *** على شوق أهل الدّار أقوى الأدلّةِ 2

وذا يحيي رسومه تحية الصباح – وكأنه يخاطب شخصا ماثلا أمامه – ويناشد تلك الرسوم أن تتكلم علها تخبره عن من كان يوما ساكن المكان :

يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي --- وعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي 3

وذا يحييها بحسرة وآهات تكشف عن مكنون نفسه

ألا حي دورا بذات الغضى        ديار الزمان الذي قد مضى

ديــــارا أقـمنا بـها مـــدة           قضى الله فيهن ما قد قضى 4

    فبين الأماكن الدارسة، يعيد التاريخ نفسه وتفرض اللحظة وجودها المتميز، وتتكررالصورة بكل تفاصيل الأحداث ودقائقها’لكن الأماكن قدتضن حتى بالجواب،فيتحول الموقف بأكمله إلى حسرات ودموع وحيرة لاأول لهاولاآخر:

 وَقَفْنَا على دارِ البَخيلَةِ، فانبَرَتْ        سواكب قد كانتْ بها العَينُ تَبخُلُ

على دارِسِ الآياتِ عَافٍ، تَعاقَبَتْ      علَيهِ صَباً ما تَستَفيقُ، وَشَمْألُ

    فلَمْ يَدْرِ رَسْمُ الدّارِ كَيفَ يُجيبُنَا،    وَلا نحنُ من فرط البكا كيف نسألُ 5

إنهم يخاطبون المكان،يبثونه لواعج قلوبهم،وآهات مكبوتة’يمنع الكبرياءظهورها وتفضحهادموع صامتة تنهمربغزارةعلى وجنات القلوب النازفة في ظلمة الليل :

إذا الليل أضواني بسطت يدى الهوى--- و أذللت دمعا من خلائقه الكبر6

  وقد احتلت أطلال الأماكن مكانة بارزة في القصيدة الموريتانية عبر عصورها المختلفة وخلد الشعراء الموريتانيون أرضهم وسجلوا أوراقها الثبوتية في ذاكرة التاريخ..وخلقت الأماكن عندهم نسيجاغريبا أودعوه قصيدهم فتميز به عن غيره..نسيجا من الرؤى الحسية والجمالية، والتصوف الوجداني المكثف، والعاطفة الذائبة في الهتاف الصامت للذكريات، الممزوج بالغموض المحبب، والملفع بالأسرار المبهمة في كل أكناهها..إنها– بكل مافيها من أبعاد – أسرار"ناطقة"تختزنهاالأماكن وراء مراياها الشفافة فيرى الشعراء على صفحاتها ذكرياتهم ودوارس آياتها، فتنبرى ريشة الكلمات ترسم لوحات خالدة لمواقف رفضت أن يواريها النسيان، فظلت تطل برأسها دوما لتوقظ نائمات الهوى والشجن فتجود العيون بمخزونها  من الدمع وهي تنتقل من مكان إلى مكان :

        قدأيقظت دمن قفرمرابـــعهـــا           تليد ماضي الهوى ونائم الشجـن

     ياعين جودي بما قد كنت صائنة              من الدموع على تذكارذي الدمن

     هذى منازلنا وذي مـــنازلنـــــــا              وذي منازلنا فـي سالف الزمـن 7

     ويعترف الشعراءبفشلهم الذريع في معركةالصبرأمام الأطلال،وبهزيمة تجلدهم أمام مرابعهاالمهجورة فتعوداللحظات إلى الوراءلتعيش أمسهاغضا حاضرا حيا فتنطلق الآهات من عقالهاويصل الوجدان إلى نقطةاللاعودة في الإستسلام لسطوة لحظة أطلال المكان وجبروت مرآى آياته الدارسة :

أرَاحَت لِقَلبي عَازِبَ الهَمِّ والهَوَى     رُبُوعٌ بِذَات الرِّيعِ شَرقِىِّ ذِى الهُوَى

وأذوَت بِصَبرى بَعدَ صَبرِى مَنَازِلٌ   بِجَنبَةِ ذَاتِ الدُّخنِ في مُلتَوَى اللِّوىَ

وقَد هَيَّجت آيَاتُ دُورٍ مَحِيلَةٍلَدَى مَيسةِ المَرضَى البَلاَبِلَ والجَوَى

منازل إن رمت ارعواء عن الصبا        أبى ذكرها إلا ارعواء عن ارعوا 8

 وهكذا رسم"الغويشاء"لدى محمدللطلبه و"العقل"عندولدمحمدى و"ميمونةالسعدى"لدى سيدناولدالشيخ سيديا’و"ساحة زارا"عنداجدودولداكتوشنى..وغيرها.

طلل المكان في الشعر :

        من خلال هذا المدخل، نرى أنه على امتداد الزمن الشعري- الذي يغطي جبهة تمتد آلاف القرون والأحقاب شكلت ميدانا خاض فيه الشعراء معاركهم من أجل قضاياهم : حبا ومجدا وعلاقات اجتماعية وغيرها- ظل طلل المكان حاضرا حضوره القوي الذي فرض سلطانه على صناع القريض وخاصة شعراء الوجد، الذين اتخذوا منه مراكب يعبرون بها الفيافي بحثا عن لحظات وصال وهمية مع من أحبوهم،يعيشون خلالها صورامختلسة من أحلام اليقظة.

  وكما فرض طلل المكان سلطانه علىشعراءالفصحى،فرض سلطانه على الشعراءالحسانيين ووشحوابه القصيدة الحسانية وشاحايسلب القلوب ويستحوذعلى النفوس بجماله وحميميته ودفئه..فطلل الأماكن من أروع جماليات الشعرالحساني،خلد اللحظات الوجدانية وحول الصحاري الجرزإلى رياض غناء من اخضرارالوجدان  وسلسبيل الصبابة وزهورالحب،وحول المعالم النكرة إلى معرفة، والمنسية إلى خالدة في الذاكرة، وسجل من خلاله الشعراء الأوراق الثبوتية لبلادهم .

الشعر الحساني :

      إن الشعر الحساني، ذاكرة حية للتاريخ الوطني وخزان آمن لموروثنا الحضاري بكل أبعاده وعطاآته المختلفة،فهوسجل للوقائع والملاحم البطولية الوطنية،وخزان لأسرارالمحبين،وديوان للأخلاق الحميدة..إنه برهان ساطع على عظمة الشعب الموريتاني وقدرته على الإبداع والتميزوسعة مخيلته وسلامة فطرته التصويرية والفنية العامة..وهذه القدرة العظيمة على استيعاب الكنه الحضاري الشامل بأبعاده المختلفة جعلت الشعر الحساني مهيأ للتعاطي مع الأغراض الشعرية بكل أبعادها المعرفية دون استثناء .

طلل المكان في الشعر الحساني

لقداحتل طلل المكان حيزا بارزا في الشعرالحساني وصل في أهميته حد التوثيق..حيث وثق الشعراء الحسانيون لبلادهم من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى  غربها، فسجلواأوراقها الثبوتية في قصيدهم،وثائق تتوارثها الأجيال من جيل إلى جيل :

امْرَيفِيدْ ومُغيَ والْمَانْ       كَانُ هُومَ وَكْرْالْبِظَانْ

وَانْتنَانْ أَصلْ يَوْكَـِ كَانْ      مَاتَدَّلَّ بَاخْبَارُ لَيــــــْدْ

يَغِيرْ إِبَانْ إينَشْوَانْ           وَأبَنْبِيلْ ومَلزَمْ بَزَيْدْ

وَالنَّبْكَ مَالُوبَانْتُنَانْ       وَالمَانْ ومَغْيَ وَامْرَيْفِيدْ 9

فهذه وثيقة تثبت حيازة هذه الأماكن من طرف الشاعرلدرجة تفضيل بعضها عن بعض مما يعني التصرف فيها بحرية تامة .

    فالأطلال تلعب لعبتها بالشعراء، وتحول لحظة الزمان إلى شيء محسوس ماديا مما يعطيها قوة المكان فتتحول تلك اللحظة "الزمانية" إلى إطار "مكاني" للحدث وتتحول تلك الأجزاء إلى "كل" متكامل يمكن أن نطلق عليه :

                        أَسْبُوعِ بَالنَّشَـــــايْ === متعدل يا لعطــــاي 

        ولَاكَـَطْ امن نْتِشَــايْ === الدَّنْيَ جَبْرُ حَــــــدْ

         زَيْنْ اسْبُوعْ أَكَنْكَايْ === وزَيْنْ أَسْبُوعْ الْمَحْرَدْ

         غيرْاسْبُوعْ أَدَبايْ === مَنْ لَعْمرْ مَا يَنْعَـــــــدْ 10

النشاي–أكنكاي–المحرد–أدباي..أماكن لعبت لعبتها بالشاعروفرضت حضورها في النفس بشكل غير قابل للتحييد..كما فعلت أخرى بشاعر آخرجعلته منصوبا على التنازع قبل أن يقررالتمرد واختيارالنصب على الإغراء:
        يطرب شوف اعليب الفران==ويطرب شوف أفام الحسيان
        وصرطات..ويطرب شوفان== بق الم.. يغير انشرمــــــت
        عنهم لخلاك اليوم اتبــــــان== لخليطه مذكوره نزلــــــــت
        بشايف واعليب أفرنـــــــان==وطريحت كنكوص واكجرت
         وشوفت علب امللى لكــور==تطرب واتوحد واتفكـــــــــــر                                  
        ام سلم شوفو يعكــــــــــــر==وامنين الـتـكت اعليه..وشفت
        روص الكلابه – يلكبــر- == شركومن لحواجب نتـكـــــت
        انزاد الحزم..وشفت اظهر== تـشـك كـبـلـتهــم ظهــــــرت
        كلت:أسكى..مزين ذ لوكر==غير اللا مشرومه تمــــــــت
                            عنهم لخلاك
    وتتحول الأماكن من أطلال ودمن دارسة مغمورة إلى نابضة بالحياة عزيزة على النفس محبوبة بمن حطوا بها رحالهم:
      عكلت لكويب واخشــــام== وظهر أخشام وحكم الـجـــــام
      أخشام..وحومات أكــدام==زيرات أم اطريعه..واصفـــــح
      تل الواد..وعادوفالثـــام==الطـرطـيـكـه..فـابـلـد مطيـــــح
      لبياظ اللى عايد فاحزام==الصفحـه مـن بـل الـمـكـفــــــح
      ذ غــلاتــو لميـم تــــام==واعوينت عنز امللى..هـــــــــح
      هي كاع اللى ذو الايام==تـغــرفــه لـمـيــــم باكـــــــــدح

         وقد يكون الحنين إلى المكان نابعا من ذكرى"عدوانية"لعوب تدخل بدون استئذان،لتقول كلمتها الفصل:إن سلطان الأطلال ممنوع من الإستقالة فتوقع الشاعر فى تناقض"محبب"مع الذات يفرض استدراكا أشبه ما يكون اعترافا بحالة نفسية كان الشاعرحريصا على إخفائها :

       تَفْكَـادْ الْحلَّـه سَـهَّـانِي   ==    تَجْلَاجُو   عَنْ بَعْـدْ أَوْطَـانِي

ولَانِي مَتْفَكَّـدْشِي ثَانِي  == واللٌ تَايبْ لَـكْ يَاالْجَلِيـــــــــــــــلْ

احْجَـلِلي شِي ثَـانِي مَــانِي  ==   نَاسِيـهْ اتْفَكَـدْتُو ثَقِـيـلْ

دَهْرْ امْكَيلْ النَّاسْ اتْحَـانِي  ==   حَرْ  الصَّيْفْ إِفُوتْ  ولَمْكَيلْ

لَكَبَيْـلْ افْلَكَصـر  مَتْكَـانِي  ==   هَانِي مَاهُو  فَالصَّيْفْ ارْحِيـلْ

إِيحَـانِي لَخْظَـارْ  أُ هَــانِي  ==   فَالظَّلْ  و  مَتْلَاحَـكَـْ  لَكَـْبَيل

(مانى متفكد شى ثانى×××ولل تايبلك يالجليل×××احجللى شى ثانى...إلخ).

وبين الدمن والمرابع ينبش الشعراءردمات الزمن ويسترجعون غوابره فيبثونها لواعج قلوبهم الجريحة أمام المشاهدالدارسةلأماكن شهدت ماشهدت حيث يعيد التاريخ نفسه وتفرض اللحظة وجودهاالمتميزفتعود الصورغضة كألم تتوارى يوما:

يَوْكَي هَذا شِي مَنْ اللِّى كَانْ      إِزِيدْ الرَّفَّ مَنْ لَوْطَانْ

هَذَ يَرْكَبْ دَارْ الْعزْبَانْ          النَّوْبَ ذِيكْ الْمَعْلُومَ

وَانْخَلْ لَكَرِيعَه عَادْ إِبَانْ         وَالْجَبَّايَ وَالتَّيْدُومَ

وْهَذِ   طَنْبَاصْ ءُ فَكَفَاهَ      دَارْ امْنْ اللَّيْعَ مَسْقُومَ

وْ ذُو لَخْشُومَ لَا إله      إلا الله أللّ لَخْشُومَ 12

       وتمتلئ النفس حسرة وحزنا وشوقاعندما يقف الإنسان أمام أماكن كانت تضج بالحياة المحتدمة بالعنفوان وقد أصبحت خالية كألم تغن بالأمس:
شوفت ذا الحاجب توكيظ== فالبال اطويله واعريظه
وامكن لى منه توخيظه==ننظر بخواكه واكدرنيت
واطرح تيوشيت البيظه==والتيارت من تيوشيت

وفى حديث صامت ناطق..هامس صاخب’يخاطب الشاعر نفسه  فى نوع من المواساة المرتبطة بالأمانى..ربما مجرد أمانى:
             حد اركب من رمه وجــــــــاد==لاترنكنبو مشي متكــــــــاد
             واكطع رجل السلك امن امكاد==اكصر صاك..وج من جنبو
             وايجى واطى فاكصور أكــداد==بنيره يالعكل وطـــنـــــــب
             واللــــى عاكــب بنـيـــره زاد==الحاجب لخظر بودنـــــــب
              لفريك اللى فيه أهل اســــواد==يشرب مـن تل اتـرنكـــب
             ذاك اتـرنـكـنـــــب؟..رب زاد==عبدك تايب لك من ذنــب
وأمام الأماكن الدارسة وذكرياتها المشاكسة يطرح الشاعر على نفسه تساؤلات يمكن أن نصفها باتبهليل لأن الجواب عليها معروف سلفا:
          مندرتى كان اعظيم احجار==ساحل كطع ابحير الخطار
          وابلمحاظر والطــوك ودار==افكد اغليك التيـــــــــــدوم
          واكطيع الغارك..ذوالاوكار==يالعكل اللا هوم هــــــــوم

وتتـحول الأشـواق بآهـاتـها وحـرقـتـها التى تثيرها الأمـاكـن وذكـرياتها إلى خداع للنفس يفتعله الشاعرربما ليواسي نفسه وهويعلم أنه عبث مطلق :
             لـكـطـيـع الـفـيه إكـيـك==يعكلى شيــــن اعـلـيـك
             إبـكـيـك..امـوصيــــك==لـحـباب امـــفـــاركـــه
             ويـل عـــاد امبكـــيك==بـالــدمعــه ســـاركـــــه
             ذى دار الــفطروذيك==الـــدار الــــســــابـكــه
   وحتى الأماكن التي فرضت الظروف القطيعة معها ماديا،تبقى في الذاكرة والوجدان..طافحة بالحياة..متحدية إرادة من حاولوا طمسها ومحوها من نفوس من عاشوا فيها يوما وأعطوها حبهم وحنانهم ودفئهم العاطفي، وبادلتهم الحب والدفء والحنان، فقد كانت مرابع الصبا وحفرت مكانها في النفس عميقا :

الْقـــرْدْ ؤُطَلْحَـايــتْ دَمْــرَاوْ ----- وَاعْـلَابْ اصْبَطْ وَالـرَدْفَ وَاو

ْــــكَارْ أَعْلَابُ منْفَمْ اجْبَــــاوْ ----- كبْلَ شُـــورْ أَقْـــرَادْ أَوَرَاشْ

والزَعْرْ ؤتَـاقَرْفَتْ لَجْــــــرَاوْ        مَنْطَرْحَ وَاعْلَيْبْ الرَّكَاشْ 

  مَنْ كَــــبْلَ بَالتَّفْكَــادْ احْيَـــــاوْ      يَـــعَكَـْـلِ بـــاللَّيْــعَ تُحَـــاشْ

امتين، وُحَاجَلَّكْ فَرْكَانْ          مَشْتَ عَنْدْ انْبَيَّتْ لَكْبَاشْ

وَالنَّعْمَ وَالْحَيْوَانْ اسْمَانْ        وَالْمِيرَادْ انْبَيْكَتْ لَحْوَاشْ 13

هذه المناطق – باستثناء انبيكت لحواش – هي الآن من أرض مالي وهي امتداد للأماكن التالية التي هي أماكن موريتانية :

وقَرْدْ التَّرْبَاعْ و تَكَلَّطْ      وَالْكُوزِيَّ وَاعْلَيْبْ الْكَطْ

ورَاصْ إِيرَكَي مَنْ كِيفَنْ بَطْ      تِفَسْكِيهْ – أَزْيَنْ ذَاكْ امْنَاشْ–

وَابْيَارْ الشَّرِيكَه لَخَطْـــــــــــــــــــطَيتْ اعْلِيهَمْ بَلْ التَّرْيَاشْ

وَالْبَطْنَانْ اتْجِيهْ و تَرْبَطْ     تَسْكِي مَنُّو حيْوَانْ اعْطَاشْ

زَازِى كَانْ امْشَتِّي..مَاكَطـْ        ظَاكَـْ الْمَ..كَافِيهْ أَوَرَاشْ

و تَلَبُّوتْ الْخَظْرَ وَاصْبَطْ        وَالْخَرُّوبْ امْدَلِّي فَاعْرَاشْ

الطَّلْحَ .. و فَالحَاذْ اتْخَلَّطـْ       أَثْرْ انْيَاكَـ اعْلِيهْ  الرَّكَاشْ

و إِيكشْتِيمْ و قَيَّ وَالْخَطـْ         لَمْسَنْتِ في إركى لَحْرَاشْ

سَكْنَكْ مَن ذِي لَوْكَارْ الْحَطْ     حَزْمَكْ دَبْشُ فِيهَ تَشْبَاشْ

امْتِينْ .. وحاجلك فركان 14

        هكذا يفرض طلل المكان سلطانه..هذا الغائب الحاضرالمشاكس..يستنهض الماضي..فتنطلق نغماته الصاخبة الصامتة تغني على أوتارالأفئدة المعذبة في سيمفونية ساخرة تتلهى بدموع ضحاياها تارة، وطورا تضحكهم بإيقاظ الشعور "اللذيذ"بالحرمان..فيتحول الموقف بكل ما فيه إلى اجترار لحظات ولت إلى غير رجعة وحديث هامس مع النفس يتنقل صاحبه من مكان إلى مكان :

مَتْيَقَّنْ عَنِّ يَالْمَتِينْ   =   مَنْ دَقْفَكَـْ لَكْرَاكَل لَثْنَيْنْ

لَعْبَيْدْ الرَّحْمَنْ الثَّنْتَيْنْ =    لَلْجَامْ الظهر  لَكَـْصِير

مَانِ لَاهِ نَكَـْطَعْ شَبْرَيْنْ =مَاشَفْتْ اعْلِيهُمْ مدِيــر

نَعْرَفْهَ وَللَّ مَرْجَعْ بَيْنْ =  لَخْيَامْ افْمَنْزَلْ تَذْكِير

أُهَاذَبْلْارْمَادْالنِّيرَانْ =دَارْامْعَانَوَلْاعْمَيْرَ

أُهَاذَهُوَّلَحْشِيشْالْ كَانْ =مَنْشُورَفَوْكَـُلَحْصَيْرَ  15

وقد تتحول مناجاة المكان إلى أمان..مجرد أمان لا يُتوقع تحقيقها..ولكنها
أمان..قد تتحول إلى حلم من أحلام اليقظة :

يَلاّلِ منْصَابْ انْزلْنَاكْ              يَلَحْسَيْ امْنَيْزَلْــــــــــنَ ذَاكْ

 وَاجْهَرْنَاكْ و رَكبْنَ مَاكْ             وْعَدْنَ كَلْ وقَيْتْ انْججُوكْ

 كِيفتْ حَيلَتْنَ ذِيكْ مْعَاكْ         يَلَحْسَيْ لْيَالِيــــــــــــــــنَ ذٌوكْ

 وَارْجَعْتْ انْتَ هُوَّ هَذَاكْ    وَارْجَعْنَ احْنَ هُومَ هَذُوكْ 16

    ويتحول الهمس إلى مسموع والأماني إلى حسرة والمكان برمته وبما فيه
إلى موعظة..عندما يقف المرءعلى أطلال كانت بالأس تضج صخبا ونشاطا وحيوية،وأصبحت اليوم،وقد تحول كل شيء فيها إلى نقيضه:الحيوية إلى هدوء.. والصخب إلى صمت..والحركة إلى سكون شامل..بعبارة واحدة تحول كل الوجود في هذا المكان إلى عدم محض :

شوفْ التِّـــــيكِفَّايَ صَحِيحْ = = نَعْرَفْهَ بِاجْدِرْهَ والرِّيحْ

اعْــــــــلِيهَ تِتْكَرَّعْ واتْمِيحْ = = گـــــفّتْهَ خَظْرَ والنُّوَّارْ

كَادِلْهَ مَامــــــــَتْهُومْ اطِّيحْ = = والْخَلـــْقْ امَّاسِيهَ عِقَارْ

وَاژَوانْ امْكــــــــَيَّمْ لِبْرِيحْ = = افْظَلْ اظْحـَاهَ كُلْ انْهَارْ

وامْنِينْ إزولْ الـــــظَّلْ إبِيحْ = = بَيــْڮ يُفَاوِتْ بِالتِّصْبَارْ

واتْلاَوِيحْ الخَيْــــلْ اتْلاَوِيحْ = = غَيْرْ الرَّحَّالَ مَاهْ اعْمَارْ

مِنْ تَصرِيفْ الْحَيْ الرَّؤوفْ = = شّــــوفْ التِّيكِفَّايَ قِفَارْ

اژرَبــــــــْهَ كِبْلِتْهَ مَنْـسُوفْ = = واجْدِرْ?

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122