هيكل وعبد الناصر ( ملخص محاضرة)

2016-03-02 00:32:00

ليس من السهل الحديث عن العلاقة بين هيكل وعبد الناصر، لأن أي مقاربة من هذا الصنف، ستواجه بجدلية يصعب حسمها أو تحديد ملامحها بسهولة ويسر.. فلكلا الرجلين شخصيته الخاصة وكاريزميته، التي تضعه في مصاف العمالقة..

.

فعبد الناصر كان يخوض أشرس المعارك والصراعات، ضد الإمبريالية العالمية وذيولها في المنطقة، تقيده المسؤوليات الرسمية، وتحكمه متطلبات التنمية في بلد نخرته التبعية وغابت عنه أبسط صنوف العدالة.

 أما الراحل: محمد حسنين هيكل، فقد كان صحفيا متمرسا ومثقفا ذاع صيته محليا وإقليميا ودوليا إلى حد ما، يغرد في سماء الكلمة، تتسم كتاباته بالجرأة وعذوبة الأسلوب، تحكم تصوراته ورؤاه جدلية ما ينبغي أن يكون، في ظل ما هو كائن.

علاقة جرت على هيكل حنق زملائه  الصحفيين من أبناء جيله، وجعلتهم يشتطون غضبا وحقدا عليه، بفعل القفزة الفجائية، التي حصلت له مع بزوغ ثورة 23 يوليو، التي احتل بعدها مكانة لا يحلم بها أى صحفى فى العالم، ولم يصل إليها أى صحفى فى التاريخ.

يقول عنه فؤاد مطر (صاحب كتاب بصراحة عن عبد الناصر): إن محمــد حســـنين هيكل هو صحفى العصر وهو أحد أبرز الظواهر فى التجربة الناصرية،  ويقول أيضاً  إن ثورة 23 يوليو هى الثورة الأولــى فى التاريخ التى اتخذت من صحيفة بديلا عن الحزب، نتيجة ارتبـــاط  استثنائى بين شخص قائد الثورة جمال عبد الناصر، وشخص محمــد  حسنين هيكل.

 فقد تحولت "الأهرام"- منذ أن تولى هيكل رئاسة تحريرها- إلى مــا يشبـه الحزب الداعم لعبد الناصر، بفضل تلك العلاقة ذات الطبيعة الخاصة.

وفى رأى فؤاد مطر أن هيكل هو الشاهد الوحيد القوى الذاكرة على التجربة الناصرية، لاقترابه المستمر من ناصر ومن قراراته واختياراته وتكتيكاته، الشيء الذي جعل منه شاهداً تاريخياً على أهم تجربة شهدها الوطن العربى والعالم الثالث.

ويضيف فؤاد مطر قائلا: إن محمد حسنين هيكل كان كبير الطهاة فى مطبخ السياسة المصرية فى عصر عبد الناصر، وكان يعد المسرح السياسي لجمال عبد الناصر البطل التراجيدى للظاهرة الناصرية.

فهيكل بالنسبة لفؤاد مطر، هو: شخصية مثيرة.. لأنه- في نظره-  ليس مجرد صحفـى، ولكنه مفكر، وصاحب رؤية استراتيجية وسياسية.. قد تتفق معه أو تختــلف، لكنك لا تملك إلا أن تتوقف لتفكر فيما يقول.

 فقد اقترب الرجل من عبد الناصر، حتى أصبحت العلاقة بينهما أكبر من عـلاقــة صحفى بقمة السلطة.. والأهم من ذلك كله أن هيكل- بما لديه من ثقافة وقدرة على التحليل السيــاســى والتفكير المنطقى- لعب لعبد الناصر دورا لم يكن باستطاعة غـــيره القيام به.. مؤكدا أنه لا تكتمل دراسة الثورة وعبد النـاصر، دون أن يكون هيكل ودوره أحد عناصر هذه الدراسة.

(انتهى الإستشهاد)

لقد كانت أحاديث محمد حسنين هيكل بالنسبة لمعاصري التجربة الناصرية، هي: صوت الثورة ، صوت جمال عبد الناصر.. لذا حملت تلك الأحاديث فوق ما  تحتمل ، عند ما نظر إليها بوصفها آراء لعبد الناصر، لا يستطيع أن يقولها، باعتباره حاكماً لدولة .. وهو ما جعل من هيكل جزءاً حيوياً ، ليس مما حدث ، ويحدث ، فحسب ، وإنما ناطقاً رسمياً باسم أحلام جماهير الأمة على امتداد الوطن العربي ، لذا كان التهجم عليه ، بالنسبة لهؤلاء، هو تهجم على الثورة ، والحلم معاً ، والدفاع عنه هو دفاع عنهما أيضا.

وبما أن مساحة الوقت الممنوحة لنا قليلة، فإنني لن أتطرق إلى كل التفاصيل، وحسبي أن أثير في أذهانكم ذكريات- بالنسبة للبعض- وإشارات تذكي فضول أولئك الذين لم يعيشوا تلك المرحلة، ليبحثوا عن كنز من المعلومات، طابعها التحدي والوطنية والإنسانية، رغم ما تخللها من إخفاقات ونواقص، هي من لوازم العمل الإنساني، الذي يستحيل أن يتصف بأي خاصية من خصائص الكمال.

 

كيف تعرف هيكل على عبد الناصر؟

 

يقول الراحل محمد حسنين هيكل: ذات يوم من شهر يونيو 1948 كنت متوجها من القدس إلى المجدل بسيارة جيب تابعة لقوات أحمد عبد العزيز توقفت السيارة قرب (عراق سويدان) بسبب معركة كانت دائرة، فنزلت من السيارة وسرت مشياً نحو (عراق المنشية) وعرفت أن الكتيبة السادسة التابعة للقوات المصرية قد انتصرت بفضل قائدها الذى تمكن من صد هجوم يهودى كان يستهدف السيطرة على (عراق المنشية)  و(عراق سويدان) وقال لي الضباط والجنود الذين كانوا فى غاية السعادة إن الذي قاد العملية هو: الصاغ جمـــال عبــــد النــاصـــر أركــان حرب الكتيبة السادسة..

فذهبت لأرى هذا القائد، فوجدت أمامي شاباً طويل القامة، يفترش بطانية، وآثار التعب بادية على وجهه، وكان يستعد للنوم.. واستمرت جلستنا ثلث ساعة ولم أخرج  بنتيجة تفيدني كصحفى، لأن الصاغ جمال عبد الناصر رفض أن يتحدث معي حول ما كنت أثيره من تفصيلات، ليس لأنه كان مرهقاً ولم ينم منذ خمسة أيام، ولكن لأنه كان غاضباً مما تنشره الصحافة المصرية حول الحرب في فلسطين وطريقة معالجتها لها.

(يوضح هيكل أن الصحفيين كانوا ممنوعين من الذهاب إلى الجبهة وكان كل ما تنشره عن الحرب، يأتيها من التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع ويقول إنه قام بهذه الرحلة من عمان وليس من القاهرة)

وصدفة بعد هذا اللقاء التقى هيكل للمرة الثانية بالصاغ جمال عبد الناصر عند عودته إلى القاهرة، ثم اجتمع به بعد الهدنة الأولى ، وفى هذا اللقاء لاحظ هيكل أن عبد الناصر كان مهتماً بالتحقيقات التى نشرها عن الدورة الخاصة التى عقدها مجلس الأمن لمناقشة القضية الفلسطينية ووقف اطلاق النار.. وانتهت اللقاءات التى فرضتها ظروف الحرب..

وفى أواخر سنة 1949 جاء عبد الناصر إلى هيكل فى مكتبه فى (أخبار اليوم) بعد نشره لسلسلة تحقيقات من دمشق عن الانقلابات التى شهدتها سوريا.. وبعد هذه الزيارة بأيام، زاره صلاح سالم، ومعه جمال عبد الناصر، وكان الغرض من الزيارة هو التحدث فى مسألة خاصة بسلاح الحدود، ثم بدأ جمال عبد الناصر يسأل عما جرى فى سوريا، وكان يركز على شكل الذين قاموا بالانقلابات، وأهدافهم، وكيف يتصرفون، وكيف استقبلت الجماهير السورية هذه الانقلابات، وهل حدثت اضطرابات.. وما حجمها؟..

كما زار عبد الناصر هيكل فى مكتبه بشكل مفاجئ، سنة 1951 وذلك بعد عودة هيكل من تغطية أزمة إيران التى بدأت عام 1951 بقتل رئيس الوزراء ... وانتهت بظهور الدكتور محمد مصدق ثم سقوطه، وحينها خاطب عبد الناصر هيكل قائلا: إنه جاء ليحصل منه على نسخة من كتابه (إيران فوق بركان) لأنه لم يعثر عليه في السوق ليشتريه، واستغرقت الزيارة نصف ساعة ودار فيها الحديث حول إيران.

وفى الثامن عشر من يوليو سنة 1952 التقى هيكل بعبد الناصر فى منزل اللواء محمد نجيب، ويومها كانت أزمة قرارالملك بحل مجلس إدارة نادى الضباط على أشدها، بعد أن فازت المجموعة التى رشحها الضباط الأحرار فى الانتخابات..وفي منزل محمد نجيب دخل جمال عبد الناصر ومعه شاب يرتدى قميصاً أبيض وبنطلونا رماديا عرف أنه عبد الحكيم عامر ولم يكن هيكل قد تعرف عليه من قبل، وتردد عبد الناصر فى الدخول، وأشار إلى محمد نجيب فخرج معهما، وبعد نحو ربع ساعة عادوا إلى هيكل.. حيث دارت مناقشة بين هيكل وجمال عبد الناصر، استهلها هيكل مستفزا: إذا كان الجيش لم يتمكن من الدفاع بالقدر الكافى عن البلد، فعليه على الأقل أن يدافع عن نفسه وعن كرامته.. فرد عبد الناصر: ما الذى يمكن أن يفعله الجيش؟.. فأجابه هيكل: لا أدرى.. إنما المهم هو: أن يدافع الضباط عن أنفسهم  وعن كرامتهم، بعد الذى فعله الملك.. فسأله عبد الناصر : هل يعنى هذا أن يقوم الضباط بانقلابات كتلك التى حدثت فى سوريا؟.. فقال هيكل.. أنا لست مع فكرة القيام بانقلاب .. فرد عليه عبد الناصر: ما الذى نفعله إذن؟..

واستمر الحديث عشر دقائق، وفي الشارع رآ هيكل جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وهما واقفين كما لو أنهما كانا فى انتظار أحد، أو يبحثون عن سيارة تاكسى، فسألهما: هل أوصلكما؟.. فرد عليه عبد الناصر : إلى أين أنت ذاهب؟.. رد هيكل: إلى وسط البلد.. فركب الاثنان معه.. عبد الناصر إلى جانبه، وعبد الحكيم عامر فى المقعد الخلفى..

فى الطريق قال عبد الناصر لهيكل:إنكم تتكلمون في السياسة.. لكنكم لم تقدموا حلا، فالانقلاب غير ممكن.. فمن سيقوم بالانقلاب إذن؟

يقول هيكل : لم أكن أعرف أن هذا الشاب يقود حركة داخل الجيش، رغم أنني كنت ألاحظ أن عينيه تلمعان، وأنه يريد أن يسمع أكثر مما يتكلم، وحين انتقل إلى الحديث عن الانقلاب قال إن الانقلاب سيؤدى بالبلد إلى كارثة.. وفجأة سأل: هل تظن أن الإنجليز سيتدخلون لو حدث انقلاب فى مصر؟.. ولاحظ هيكل أن عبد الناصر كان يصغى إلى الجواب باهتمام.. فقال هيكل: إن الإنجليز لن يتدخلوا وعندما سمع عبد الناصر هذا الجواب المقتضب سأل عن التفاصيل، فرد عليه هيكل قائلا: إن الإنجليز ليست لديهم قوات كافية للسيطرة على كل المدن المصرية، والسفير البريطانى فى ذلك الوقت فى إجازة ولدى معلومات أن قائد القوات البريطانية فى الإسماعيلية موجود خارج مصر فى إجازة، وهذا موسم الإجازات وبالتالي فإن التدخل يحتاج إلى وقت.

قبل أن ينزل عبد الناصر من السيارة قال لهيكل: من الضرورى أن نكمل الحديث، فقال هيكل: ما رأيك في أن نكمله فى مكتبى؟.. فسأله عبد الناصر: هل عندك تليفون فى منزلك؟.. فأعطاه هيكل رقم التليفون،

 وبعد نصف ساعة من الكلام قال عبد الحكيم عامر لجمال عبد الناصر: سننزل هنا فى محطة باب الحديد..

وفى اليوم التالى اتصل عبد الناصر بهيكل فى التليفون وسأله: أنا الذى قابلتك أمس.. هل تذكر؟.. وتقابلا يوم 19 يوليو.. جاء عبد الناصر إلى هيكل فى مكتبه وبدأ الحديث فى قضايا عادية جداً، عن الصحافة وعن المجلة التى كانوا يصدرونها فى الفالوجا، وعن فلسطين وما جرى فى الفالوجا، وبعد نصف ساعة تقريباً وجه سؤالاً شعر هيكل أنه يشكل الهدف الأساسى من الزيارة، قائلا: كنا نتحدث أمس عن الإنجليز وإمكانية تدخلهم، فهل يمكن أن تحدد بطريقة مرتبة الأسباب التى قلتها أمس وانتهيت منها إلى أن الإنجليز لا يمكن أن يتدخلوا لو حدث انقلاب أو شىء من هذا القبيل؟، فعرض هيكل فكرته حول الموضوع.

وبعد ترتيبات مسبقة مع شخص أمره عبد الناصر بالإتصال بهيكل من أجل ضمان أن يكون هيكل موجودا ليلة 23 من يوليو 1952 بالقاهرة.. جاء نفس الشخص وأخذه من منزله إلى حيث يوجد عبد الناصر ليلة قيام الثورة، فوجد عبد العكيم عامر.. فقال له صاحبك فوق، فصعد هيكل ليجد جمال عبد الناصر ومعه كمال الدين حسين، فسأل هيكل: ما الذى حصل؟.. أجاب عبد الناصر: خلاص..

قال هيكل.. خلاص إيه؟...فأجاب عبد الناصر.. كنت تقول إن الجيش عجز عن رد شرف البلد سنة 1948 هل الذى فعله الجيش الآن كويس؟.. وسأل هيكل: ما الذى حدث؟.. أجاب عبد الناصر: يعنى لسه مش فاهم.. فكانت برقيات التأييد قد بدأت تصل من مختلف المناطق .. وقال عبد الناصر: لا يهم ما الذى سيحدث.. المهم أننا صممنا ونفذنا وأكدنا أن فى مصر شبانا رفضوا المهانة وتحركوا..

يقول هيكل: فى هذه اللحظة ظهرت لي بعض صفات عبد الناصر القيادية، وشعرت أنه رقم واحد فى الحركة.

وفي السادسة إلا ربعا صباحا دخل أنور السادات، فكلفه عبد الناصر بالتوجه إلى محطة الإذاعة لقراءة البيان الأول للثورة، وقال عبد الناصر لهيكل، قل لهم أن يسمعوا بياناً من الإذاعة الساعة السابعة صباحاً. ( يعني الوزراء والشخصيات الذين كانوا يتصلون بهيكل عبر هاتف الثكنة يسألون عن تفاصيل تحرك الجيش).

وهكذا بدأت قصة هيكل وعبد الناصر .. كان اللقاء الأول على أرض فلسطين، وامتد بصورة غير منتظمة، إلى ليلة 23 يوليو 1952.

يقول هيكل: كنت قريبا من عبد الناصر.. وكانت بيننا صداقة وثيقة.. وكانت العلاقة بيننا من نوع متميز بين شخص يقود وشخص آخر إلى جانبه يتكلم أو يفكر، وقد حرصت أن أبتعد عن المناصب الرسمية، وكنت دائما متمسكا بالصحافة والكتابة ولا أرغب في تقلد أى منصب رسمى، وقد ذكرت ذلك لعبد الناصر مرات عدة.. قلت له أني أفضّل الاحتفاظ بصفة الصديق الذى يتحدث إليك باستمرار بدون وساوس أو إحراج.. وكانت العلاقة بيننا قبل الثورة وحتى 28 سبتمبر 1970 علاقة حوار مستمر، وأعتقد أن ثقته الكاملة بى هى التى شجعت على ذلك، وأحيانا كان يضيق بهذا الجدل لكنه كان يسمع ويناقش باستمرار.

 كان السادات يقول لهيكل: لولا سلك التليفون لكانوا أتعبوك كثيرا، ويقصد بذلك التليفون الذى كان فى مكتب هيكل والمتصل بمكتب عبد الناصر وبغرفة نومه.

 ويقول هيكل: عبر هذا التليفون جرت مناقشات واستفسارات كثيرة، وكان هذا التليفون معيارا لحالات التوتر بيننا، أحيانا لا يرن فيكون ذلك دليلا على أن عبد الناصر متضايق منى.

 

هيكل يصف كيف كان يعيش عبد الناصر، باختصار شديد

يقول هيكل: إن عبد الناصر لم يشعر بأية لذة فى حياته.. لم يشعر بلذة النوم، ولا  بلذة الأكل، أو السفر.. ولا حتى بلذة مشاهدة أولاده.. لأنه كان يعمل طوال الوقت..

يروي هيكل كذلك أن عبد الناصر كان مهتما بالأشخاص الذين أبلوا بلاء حسنا خلال العدوان الثلاثي سنة 1956.. ويعتني كذلك بمشاكل الضباط الأحرار... مؤكدا أن هناك أمور يتقبل فيها وجهات نظرهم، دون غيرهم من الناس.

ويؤكد كذلك أن عبد الناصر كان يرفض التملك، ويكره مظاهرالترف.. ولا يقيل بالفساد الشخصي.. كانت كل ممتلكاته، عبارة عن أشياء شخصية.. فهو لم يورث أبناءه شيئا.. فما تملكوه من بعده، لم يكن مصدره مال أبيهم أو موقعه الرئاسي.

 

نختم بقصة لها دلالة هامة

لعل أهم ما تكشفه القصة التالية، هو: حجم القرب بين الرجلين كما أنها تدل كذلك على اطلاع هيكل على أسرار الدولة المصرية الخاصة جدا، والتي لم يطلع عليها، سوى القلة القليلة من المقربين من عبد الناصر..إنها قصة "عصفور"، التي هي عملية تنصت مصرية على السفارة الأمريكية في القاهرة..

يقول هيكل: " إن جهاز مخابرات الجمهورية العربية المتحدة تمكن من زراعة أجهزة تنصت بالغة الدقة في سفارة دولة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة، الشيء الذي وفر لمصر معلومات بالغة الأهمية في مجالات مختلفة كشف عنها الأستاذ هيكل الغطاء بعد 40 سنة من وفاة عبد الناصر وشرح من خلالها، جزءا من ملابسات تلك المرحلة..

يقول هيكل: بتاريخ 6 ديسمبر سنة 1969 تم تسجيل لقاء على مستوى عال بين الوزير المفوض الأمريكي في سفارة الولايات المتحدة " بدولة إسرائيل " ومديرة مكتبه ، وبين السفير الأمريكي في القاهرة ، وممثل المخابرات المركزية الأمريكية في الجمهورية العربية المتحدة ..

وبما أن الحدث هام ، وعاجل فقد نقل الشريط إلى الرئيس جمال عبد الناصر ليستمع بنفسه إلى التسجيل، الذي جاء فيه :

- إن جمال عبد الناصر هو العقبة الرئيسية في قيام علاقات طبيعية بين المصريين و" الإسرائيليين " .

- إن هناك حالة من الإلتفاف الشعبي المصري ، والعربي حول عبد الناصر تجعل السلام مع إسرائيل بالشروط الأمريكية مستحيلاً ، وأن مصر التي كان من المفترض أنها مهزومة تبدو منتصرة ، في حين أن إسرائيل التي كان من المفترض أن تبدو منتصرة تبدو مهزومة بسبب حرب الاستنزاف .

- إن سمعة " موشي دايان " أكبر بكثير من إمكانياته .

- إن قادة إسرائيل "جولدا مائير ، موشي دايان ، أهارون ياريف ، إيغال آلون" قد أجمعوا على أن بقاء إسرائيل ، ونجاح المشروع الأمريكي في المنطقة مرهون باختفاء جمال عبد الناصر من الحياة وأنهم قرروا اغتياله بالسم ، أو بالمرض ..

- إن "غولدا مائير" رئيسه وزراء " دولة إسرائيل " قالت بالنص ، وبالحرف الواحد:  "سوف نتخلص منه " وإلا فإن العالم العربي ضائع ، وسيخرج عن نطاق السيطرة الأمريكية ...

يقول الكاتب محمد حسنين هيكل إن عملية " عصفور " هذه، كانت محصورة بعدد قليل جداً من رجال عبد الناصر، هم:علي صبري ، وشعراوي جمعة ، والفريق محمد فوزي ، وسامي شرف ، وأكد أن جميع المعلومات التي كانت ترد عن طريق هذا المصدر كانت محصورة بهم ، وان أوامر الرئيس جمال عبد الناصر كانت أن لا يعلم أنور السادات بسر تلك العملية ..

ويضيف الأستاذ هيكل ، أن جمال عبد الناصر كتب تلك المعلومات المتعلقة بحياته ، بخط يده على ورقة ، ويؤكد: "لقد ظلت تلك المعلومات ماثلة في ذهني باستمرار ، وأنا في غرفة جمال عبد الناصر في اللحظات الأخيرة من حياته ، أوفي الجنازة التي لم أستطع استكمالها للنهاية ... كنت أسأل نفسي .. هل هناك معنى في هذا .. إني أتذكر صوته .. وهو يقرأ ما يرتب له لإنهاء حياته ، لكون إسرائيل ترى أنه العقبة الأساسية التي تقف في وجهها .."

ويؤكد هيكل أنه أعلم السادات، بهذا المصدر سنة 1971، بحجة أنه لا يعقل أن يكون أمرا كهذا لا يعلمه رئيس الجمهورية.. لكن "عصفور" اختفى بعدها مباشرة.. وهو ما ندم عليه هيكل أشد الندم.

هذه بإيجاز مخل، هي ملامح العلاقة الخاصة التي جمعت بين هيكل وعبد الناصر، الذي استغرب  " شوين لاي " رئيس وزراء الصين وفاته المبكرة، قائلا: كيف يموت رئيس في سن الـ 52؟(نورد هذه الحكاية لدلالتها على ما تعكسه القصة الأنفة الذكر.. رغم إيماننا بأن الأعمار بيد الله)

علاقة ظل هيكل وفيا لها، خاض من أجلها أشرس المعارك دفاعا عن ثورة 23 يوليو وعن الرجل الرمز، الذي انهالت عليه سكاكين الإستعمار وأذنابه في المنطقة بعد موته، أملا منهم في القضاء على وهج الأمل في هذه الأمة، من خلال الدعاية وقلب الحقائق وتشويه المحطات المضيئة.

مواجهة، ظل هيكل خلالها  يصارع كالطود الشامخ.. فكانت أحاديثه وكتاباته، هي  البوصلة والمرجع في لحظات التبست خلالها الأضداد وتكلست العقول عن التمييز.. إلى أن سقط فوق الحلبة عن عمر ناهز الثالثة والتسعين... فرحمة الله على الرجلين وأسكنهما فسيح جناته.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

أعدها وألقاها: محمد المختار ولد محمد فال- كاتب صحفي

.................................................

تم الإعتماد على مجموعة من المصادر من بينها: موقع الكاتب الصحفي رجب البنا


 
المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122