"ازريكة" موضوع ندوة بالثقافي المغربي

2016-02-18 00:06:00

نظم المركز الثقافي المغربي بنواكشوط مساء أمس ندوة ثقافية تحت عنوان: "الاتجاه الشعبي في الشعر الموريتاني الفصيح"ازريكة"  ازريكة ولد احمد يوره نموذجا" قدمها الدكتوران الأستاذان بكلية الآداب - جامعة نوواكشوط الدكتور محمد الأمين بن محمد محمود (صهيب) والدكتور محمد الحسن بن محمد المصطفى

المحاضرة حضرها إلى جانب القائم بالأعمال فى السفارة المغربية سعادة السيد الحسن بنموساتي عدد كبير من الأكاديميين والشخصيات الأدبية والفكرية والجمهور المهتم بالأدب

وكان افتتاح الندوة مع الدكتور محمد القادري مدير المركز الذى رحب في كلمته بالحضور، قبل أن يقدم ملخصا عن محتوى المحاضرة.

ونقدم لكم اليوم - أعزاءنا القراء - نص محاضرة الكتور صهيب، على أن نقدم لكم لاحقا نص محاضرة الدكتور ولد محمد المصطفى حال حصولنا عليه بحول الله

 

altأولا: ازريكة ولد أحمد يوره ظهورها يعود تأثر الشعر الموريتاني الفصيح بأدب الحسانية في إنتاج الجيل الأول ، خاصة مع محمد بن سعيد اليدالي ت 1166هـ، وكان تأثره بالأدب الشعبي الحساني من جهتين: الأولى نقله بنية بيت العروض الخليلي ذي الشطرين إلى بنية الشعر الشعبي الحساني المنتظمة في بيت رباعي الأشطر ( كاف ) والطلعة المنبنية على ثلاثة أشطار أو (احمر) على روي واحد، يليها شطر رابع بروي مغاير غالبا يدعى الكصرة، وللشاعر أن يزيد ما شاء من الأشطر بالمراوحة بين الرويين السابقين؛ أو يأتي بطلعة جديدة مع الاحتفاظ بالروي العام روي الكصرة وهو ما فعل اليدالي. الثانية اختياره بحرا من بحور الشعر الشعبي ( لغن ) لسكب تجربته وهو المعروف ب بت خمسة  ويدعى أيضا حثو الجراد    في مديحيته صلاة ربي، وزنه  مفاعلاتــــن  

         مفاعلاتـــن  إلا أن هذا التشكل لا ينتمي إلى دوائر العروض الخليلي. أما النموذج الأكثر احتذاء لنظام الطلعة والكاف في عروض الشعر الحساني فهو تهنئته لابنه المختار سعيد، يقول في مطلعها:

رب بــجــاه أحمــدا         أفضل خلق الخالقِ

ارزق سعيدنا الهدى        يا خــير هاد رازقِ 

    = كاف من لبتيت سدد وأصلح أمــرهُ   يا رب واشرح صدره  

  وارفع دواما قدره  بأكرم الخلائـق يا رب واشدد أزره   بإخــوة شــقائــقِ      

    = طلعه وعلى النمط نفسه نظم قصيدة طويلة في تهنئة ابنته ميمونه. ولم يتسع كثيرا مجال تأثر الشعر الفصيح بالعامي صدر القرن الهجري الثالث عشر مع الرعيل الأول من الجيل الثاني، فقد نسج على المنوال نفسه  كل من المجيدري بن حب الله ت 1204 ومحمدي بن سيدينا العلوي 1264 هـ ومحمد بن الطلبه اليعقوبي ت 1272 هـ ، وقد اعتبر أستاذنا المرحوم د.أحمد (جمال) ولد الحسن أن أقدم النصوص الفصيحة التي ظهرت فيها اللغة الحسانية قصدا – على الطريقة المعروفة بالزريكه- أبياتٍ للمختار بن الفُظيل الديماني ت 1237 هـ في صديق له اسمه مولود: مولود مجذوب ومن جذبه طلاوة تــــبدو على لفظه هو الفتى يا خل كل الفتى لكنه ماش عــلى غــرظه فتارة يمشي على طــوله وتارة يمشي على عرظه وفي النصف الثاني من القرن الثالث عشر شاع استعمال الحسانية في النصوص الفصيحة إيذانا بظهور المدرسة الشعبية، وخاصة معجم التدخين: امنيجة- تباك- لعظم – الشم – آتر  ثم معجم الشاي العود – المفتول – المغرج – التسكاك       وقد ارتبط ازدهار المدرسة الشعبية بشخصية  محمد بن أحمد يوره حتى إنه كان يطلق على كل شعر فيه مزج بين العامي والفصيح " ازريكة ول أحمد يوره"، تأصيل المصطلح : ازريكة تصغير زركه على جهة التحبيب لا التحقير، ومن معاني الزراك  في الحسانية الجمع بين لونين على سبيل التداخل أو التمازج، أوخليط من لبن جنسين مختلفين من الحيوان كالضأن والماعز، أو البقر والإبل. وقد انطلق الباحثون من هذه المداليل لتأصيل هذا المفهوم في الشعر، فمنهم من يرى أنه مستمد من جمالية المزج بين الألوان على نحو بديع، ومنهم من يرى أن الجمع بين الفصحى والعامية تتخلق منه مادة جديدة لها طعمها الخاص ومتعتها الفنية المتميزة كما في المزج بين ألبان مختلفة، وهما في المحصلة النهائية يلتقيان في أن لهذا اللون الشعري المتميز (الزريكه ) متعة فنية أكيدة وبعدا جماليا لا مراء فيه. وقد ظل مصطلح ازريكة يطلق على هذا النمط الشعري إلى أن قام نقاد معاصرون مثل الدكتور محمد المختار بن اباه، الدكتور جمال بن الحسن بتصنيف الشعر الموريتاني إلى اتجاهات ومدارس فأطلقوا على الزريكه مصطلح الاتجاه الشعبي أو المدرسة الشعبية. وقد برع في هذا الاتجاه شعراء كثيرون منهم من عاصر ولد أحمد يوره ومنهم من تأخر عنه، نذكر هنا عددا منهم تمثيلا لا حصرا : محمدو بن فتى وأبو بكر بن محمذ ومحمد ولد أبن ولد احميدن وموناك ولد المصطفى وعطاء الله ولد المختار فال ولكبيد ولد جبه والمختار بن حامد  وشغالي  ولد أحمد محمود، أما الشعراء المقلون من أهل هذا الفن فلا سبيل إلى حصرهم كثرة . روافد الزريكه العامية تتداخل في الزريكه لهجات عديدة أهمها الحسانية والولفية وكلام ازناكه ومن أقدم نماذج مزج الولفية بالفصحى في النصوص الشعرية - على ما نعلم - توظيف المختار ابن بون ت1220هـ لكلمة  (نار) وتعني البيظاني بالولفية في قوله من أبيات: وسوداء رمت الوصل منها  فأعرضت       فقلت أمثلي عنه مثلك يعرض فقالــت سُمــاك  (الـنار)  إنــي أخافـهـا      على جسد للنار لست 

altأعـرضُ ومنذ جيل ولد أحمد يوره شاع دمج ألفاظ ولفية في الزريكه خاصة في المداعبات  الغزلية، مثل قول ولد أحمد يوره: يا خود إن غراب البين منك صرخ   والقلب يطلب من ود لديك "سرخْ" لا تمنعي الوصل ممن يستهام  بــه   أتمنعين وصال المستـهام "لـــتـخ"؟ ولابن حامدن إياكَ أن تعتني بالأشيب الهرم    ما لم تكن حبة فيه من "الخرم" وإن تكن حبة فيه ولو صغرت   فاستبــقه إنه خيــر من  العــدم وقول شغال ولد أحمد محمود في الحنين إلى مدينة لوضه السينغالية: أيا دار لوض حياك طـو  فإنـي لقد زاد وجدي ب "بيو" أحبك حبا ومن أجــل  ذا  فـها أنا ما ذاق جفني  "انيلو" نظرة في المضامين يتبوأ موضوع التدخين والشاي والغزل والنسيب والدعابة والظرف مكانة الصدارة، بالإضافة إلى أغراض أخرى أقل حضورا كالاستسقاء والمدح والرثاء.كما في النماذج التالية: في التدخين:   يقول محمذ ولد السالم: ثلاث لست أتركها لشيبي  وإن كانت تعاب على الشباب مِزاح الأصفياء وأمنيجا  وخبي رغوة الشـــــاه الرباب و قوله أيضا    سبحان من بزني عظمي وعوضني  منه تكفف أهل الشم والبِـطـط طورا أصادق رحب الباع ذا سعـة  وتارة لاصقَ الضَّبعين بالإبِط يقول ولد أحمد يوره: لا تأخذ العظم بين الشيب واجتنبا مد الأصابع كيما تسلك الأدبا ولتمسحن ذنبا ممــا شــربت بــه فأعظم الذنب ألا تمسح الذنبا وكقوله   هوى ظبية طابت ب"طاب" حقيقتي    - وإن حدت عن نهج الهوى- ومجازي فما ظبــيات القــــاع يعززن عــزها   عـــلي  ولا ظــبـــي   بــتــل  عـــزاز في الشاي  يقول أيضا إن آتــاي (عالم ) لشــفاء  ولديــــه حــلاوة وطَـــرا ء يملأ الكأس من شهي بهي يَذهَب الجوع عنده والظماء حبذا ذاك غــير أن ثــلاثا عنــده ما وراءهـــن ورا ء كقوله: لا تشتر (العود) شاري العود مغبون والقلب ويحك ب(المفتول) مفتون قـد بان بون لدى التجــريب بينهــما وفي التجارب يبدو الفرق والبـون   وكقوله، يُكسى الخسيس إذا ما كان مختلطا مع النفيس بحال منه منقولِ إن (النميلة) إن  كـانــت  منعــنعة فــما نقــوّمــها إلا بمفــتولِ محمد ولد أبنو تَرَكتُ الشَّاهَ خشيةَ أن أكُــونَا  من اللاِّئِى عَلَيه يُسَـكِّكـــُونَا وخَشيَةَ أن أكُونَ كَمِثلِ شِيبٍ  إِذَا قِيمَ الأتَــــايُ يُســخرِّوُنَا حَدِيثُــــهُم الأَتَايُ ولاَ تَــرَاهُم   بِغَيــرِ حَدِيثِــه يَتَحــَدَّثُــونَـا في الغزل والنسيب يقول ولد أحمد يوره بنت الشريف كشحها المجدول  من حسنه قد ذهب المعقول وصـرت لـما أن بدا أقــــــول عند البطون تذهب العـقول وقوله أيضا: يقول ولد أحمد يوره في مغازلة له: اشهدوا أيها العباد جميعا   وإلهــــي أدرى بــما في القـــلــوب إن ذنبا جنــيتـه من فتــاة  غير سلمى لمحض (جوت) الذنوب وقوله أيضا: تجلدت والمحبوب دلى بي اليدا وما عادة المشتاق أن يتجلدا وقيدت دمعي ثم أطلقت بعضه فأنشأ يجري مطلقا ومقــيدا وله تشوقت الأحبة يـوم بانــوا    كما اشتاق الحمام إلى الهديل إذا سلكوا أجارع ذي سبيل  فليس إلى التواصل من سبيل كأن القلب من وله وحزن    غـداة رحيلهــم لبن الرحـــيل وله أيضا بكاء حمامات تغنين بالأمس    يرد قلوب المرعوين إلى الدكس يذكرنني عهدا قديما ومعهدا    أحب إلى نفسي لياليه من نفســي وله يا من بها القلب مفتون ومكرون  لا تمنع الوصل إن الوصل ماعون منعته مرة في الدهـر واحــــدة  فقلــت تسعا كــما قــد قال كابــون

   ولابن حامد: وليلــــة صفــو بـــت شـــرقي أيـــدم  ذكرت به عيـشا مضى بالمريــــدم فيـــا لك من لـــيـــل بـــه بحـــبيـــبه  لها ابن عبــــيد أو هو ابن خـــويدم وقد كنت حينا من هوى في استراحة  إلى أن طلعت السلك من شرق أيدم فأطلعــــني الهــــدام أيــــدم تعــــــبة  من الحب يا مالي وهـــذا الهـــديدم فـــدى لروابــي أيــدم  كـــل مــرقب   من الأرض مبيــضِّ وكــلُّ أويــدم وله أيضا

غالبن من عيش بنت احماد نتارك  والقلب معْ وصل من يهواه متــبارك

غالبن نتركها ما ظاهرل ترك لها            بي الي تلهي ومعْها القلـــب مجـارك

ولاَّ حقيـقةَ أني يوم فــــزت بهــــا   حارك فؤادي إليها رجل في الحارك

واغلبن منها انر يوما واحدا مع ذا  شنهو ذاك ال كالـت عيـــش تيتارك

ويقول محمدو بن فتى

أبيت يقظان عشـــق أنـت نائمــة  يا ليت كل حبيب كان عاشقه تركت

قبل النسا والآن عدت ولم  أعد لغيرك ممن كنت وامقـه

ولست أعشق إلا أنـــت قاتـلتــي  وليس آخرَ حبَّ الكلب خانقه

وفي الدعابة والظرف: 

يقول لكبيد ولد جبّه،:

إن الــظريفـــة أم اصـكيـــعه معـــطوبه   والنفس من عطــبها حراء مكــروبه

مــوجـعل إذ حـــور الأقـــوام تفـــنـتــها          ضحى على جنــبها العربي مكلــوبة

أضحت عن السرح في الأشوال قاصرة   والأرض من حومة الأخيام مجدوبه

وله ظن الفويجح أنا لا نخلص مـا    قد كان يفعل في فُمّ الشـتاء بنا تالله

لا ذقت منها غير مختلَس    أو ما تروغ عن أصباع أحلبنا وله

زريقاء إن الحــبل لا تتـــمرثي    مغار شـديد العقدتين وثيـــقُ

فلا تطمعي في قطعه وانحلاله          فما لك والأمات ويك طريـق

ولو أنْك في يوم الرخاء سألتني  طلاقك لم أبخل وأنت صديق

ويقول ولد أحمد يوره أوصي النساء بشيء فيه مصلحة  وأفضل النصح ما قارنت بالعـمـل

إن  الريــاح  إذا  تشــتد مــمتنــع  فيها الوقوف على من ليس ذا كفل

ويقول شغال ولد أحمد محمود

وددت لعـــمري أن أنــال سكيـــنـة  ســوى هذه إذ هـذه نالها فــتى تـــطابقــهــا خلــقا وخلـــقا ونســبة  وتشبــهها وجـها وجيدا ومقلة فــقد طعــنتــني بالــغــرام ســكيــنة   وقد ضربتني ضربة هاشمـية وليس على التيفاي أن يعرف الهوى  ولكن علــيه أن يتــكر سلعــة تركت هــواها عاجــزا متـــورعــا  كمن قال قبلي صرت لله حرة الخصائص الفنية: تمتاز الزريكه بتوظيف الموروث الشعبي كالحكم والأمثال والحكايات المنسوجة على ألسنة الحيوانات، والعزوف عن اللغة القاموسية والمطولات،ويميل بعض شعرائها إلى تكثيف المحسنات البديعية ثانيا: الزريكة المعاصرة لقد استمر المدرسة الشعبية على النسق القديم حتى بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي حيث أفرزت الساحة الأدبية أنموذجا جديدا، يمكن أن نطلق عليه الزريكة الجديدة أو ازريكة اشطاري، عند جماعة اشطاري ثم ش إلوح افش، حيث أنتجت مدونة شعرية غزيرة المادة بأسماء مستعارة وقد صنفنا النصوص الشعرية الصادرة عن تلك الجماعات في الاتجاه الشعبي لعاملين أساسيين:

الأول مزجها قصدا بين الفصحى والعامية في نصوصها الأدبية؛ الثاني توظيف الموروث الثقافي المحلي من أمثال شعبية وشخصيات خرافية ورموز خيالية (ول اجنبه، تيبه، بغريس، فظمه،.. ) 

وختاما فإن الزريكه تعتبر، ورافدا ثرا في مدونة التراث الأدبي الموريتاني، ازدهر خلال القرن الهجري الرابع عشر، فلامس شعراؤه بإبداعهم الشعري وجدان جمهور عريض، بما لهم من جاذبية فنية.

وفي العقد الأخير من القرن العشرين استطاعت كوكبة من أهل الأدب والإعلام إخراج الزريكه في ثوب جديد يتوسل  بآلياتها الفنية لكن في قوالب ومجالات أكثر شمولية واتساعا، احتضنتها منابر إعلامية يتوخى أصحابها أساليب تمزج بين الجد والهزل، وهي، وإن غلب عليها طابع الهزل والدعابة فإن في ما بين السطور دائما مبتغى خصبا أبعد ما يكون عن الهزل والسخافة، إلا أنها مهما اشتملت مواضيعها على ما يبعث على الضحك والإمتاع الساخر فإنها تظل - كما في شعار أشطار -  بسمة في بحر من الدموع.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122