الصواب يؤبن الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد

2015-11-15 22:00:00

مساء السبت الرابع عشر من نوفمبر التأمت في فندق شنقيط بالاس وسط العاصمة نواكشوط ندوة متميزة حضورا ومشاركة وجوا وجدانيا ونفسيا،

.

حيث تداعى محبو قيم الوفاء والمروءة من كل أطياف المجتمع الموريتاني لتأبين الشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد بدعوة من حزب الصواب الذي عقد الندوة تحت شعار ( تأبين قامة فن وإبداع فارعة وصاحب قيم وطنية وقومية راسخة) ووجه فيها الدعوة إلى جمهور الشعراء والأدباء والسياسيين الموريتانيين الذين لبت جمهرة كبيرة منهم الدعوة إما بالحضور المباشر أو بإرسال مشاركات مسجلة بأصواتهم أو كتبوها للقراءة نيابة عنهم.

وكانت البداية مع كلمة حزب الصواب التي ألقاها نائب رئيس الحزب الأستاذ محمد المصطفى ولد الشيخ سعدبوه معتبرا في مستهلها أن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد سكن القلوب في بلاد شنقيط حيا وميتا، و(احتفى به الشناقطة على نحو طافح  بما مثله في أذهانهم من تجسيد الهوية اليعربية عبر تاريخها  المديد الذي حمله فطاحلة الرجال جيلا بعد جيل ، وأودعوه  قلعة مصاغة بالسهام والرماح والسيوف ، مرصعة بالعلم والمعرفة والثقافة والفن والإبداع من حامورابي حتى المأمون،  وقبل ذلك وبعده احتفوا به لما بث في وجدانهم من دور العرب الرسالي بين الأمم، الذي شرفتهم به السموات حين سطعت شمس الإسلام من صحرائهم وامتدت ظلالا وارفة إلى انحاء المعمورة).

كما أكد نائب رئيس حزب الصواب أنهم فخورون بحضور هذا الجمع الكريم من الشعراء والأدباء والإعلاميين  الذي التأم في دعوة الحزب لتأبين الراحل عبد الرزاق.
كان أول المتدخلين هو الشاعر الكبير ناجي محمد الإمام الذي رفض أن يكتب رثاء فيه كما رفض من قبل أن يكتب رثاء في الشهيد صدام حسين، والراحل محمد سالم ولد عبد الودود، لان مقامهم في نفسه يمنعه من موقف التذلل والخنوع الضروري للرثاء.

ثم توالى على المنصة كل من : أمير الشعراء: محمد ولد ادوم، ابو بكر ولد المامي، ممو ولد الخراش، محمد ولد مولود،الحسن ولد محم، ليفسح المجال لقراءة نصوص مسجلة للندوة بصوت الشاعرين الكبيرين: أحمد دولة ولد المهدي، سجلها من مدينة العيون، وأدي ولد آدب سجلها من الدوحة.

ثم فسح المجال لمشاركات نثرية كانت أولاها مع الكاتبة والإعلامية زينب الجد، والكاتب والإعلامي حبيب الله ولد احمد وكلمة نقيب الصحفيين د/ الحسين ولد مدو الذي استحضر فيها من ذاكرة بعضا من شعر الراحل،

قبل أن تعرض أمام الحاضرين بكائية طويلة اختلط فيه الشعر بالنثر الشعري كتبها الشاعر الكبير المختار السالم ولد أحمد سالم للمشاركة في الندوة وقرأها نيابة عنه الأستاذ الشيخاني ولد محمدن النحوي.
ظلت كل المشاركات يقطعها النحيب وحشرجة دموع الحاضرين المختلطة بالزغاريد وعبارات الإعجاب بشعر الرجل ومضامينه التي انطلقت من جروح الأمة وأوجاعها ودافعت عن العراق كل العراق من شماله إلى جنوبه.
وفي مقاطع كثيرة من بعض تلك المداخلات تحاضنت دموع الحزن والحسرة لدى الحاضرين مع ترنم الإعجاب، وشدو المروءة والبطولة والحنين إليهما كما تجسدتا في شعر الراحل وأبطاله ورموزه.

قصائد ونصوص تأبين ألقيت في المناسبة:

وقع الفراق../ الشاعر/  الحسن ولد محم
الحرف ينزف.. دربُ الحرف ينفــردُ // والحبر يرعَــــفُ والأوراق ترتعــــــدُ
كل الفواصل حــيرى وهي باكــــــية // تشكو الفراق وأهل الحرف قد رقدوا
غاب الجمال ويبقــى في قصائــــــده // لــون الجمال وطعـــم المجـــد يــتّقــد
والمفردات لكـــل العابريــن هـــــدى // منها،عليها لـ"عـبد الواحد" استندوا
والواقفـــون على عليائه مـزجــــوا // حــزنا تناثر، ما قامـــوا ولا قعــــدوا
لا نثر رُصع بالمعــنى وقــــافــــــية // تُتلـى وتُسمــــع إلاّ بعــــــــده زبـــــد
ضجَّ المدى وعيون الشعر قد مُلأت // دمعا تحـــدّر إذ قــد مسّها رمـــــــــد
يبكـــي العراق ويبكي الشام فرقـته // والناطقون جمال الضاد.. ما وجـدوا
تبكي المنابر.. قبل الكل من وجــع // شنقـــيط أول مــن يـبكـــي ويفـتقــــد

كما ألقى الشاعر الحسن ولد محم (كاف) للأديب حسني ولد شاش تفاعل معه الجمهور وطالبه بإعادته مرات والكاف هو:

ميتتْ عـــــــبد الرزّاقْ ** عـــبد الواحد غُـــمَّ

واصلْ انصاب العراقْ ** واصل انصابتْ لُــمَّ

كتب حبيب الله ولد أحمد:
أحقا رحلت يا عبد الرزاق ؟
كيف وجدت الوقت للملمة كل أشيائك الجميلة
قل لي أحقا وضعت حبرك الجميل وحرفك الصقيل وشعرك الوهاج فى حقيبتك ولوحت دون أن تحدق فى دموع المودعين
أين وضعت العراق نخيلا وضفافا وتربة ومجدا وصدام حسين
هل فكرت أننا لا نطيق فراقك
وقل لى بالله عليك أتطيق فراق بغداد الجريحة أترحل عن حبيبتك وتتركها للمجهول و أنت الذي زرعتها في قلبك نسمة حب وعلى لسانك شهقة شعر وبين جوانحك رجفة لقاء ورهبة توله أبدية.
أعرف أنه لم يبق لديك شيء هنا لتعشقه فصدام رحل والعرب نحروا وبغداد تغيرت والعراق أصبح باطن أرضه أرحم بأهله من ظاهرها.
لا طيور لتحلق فى مساءاتك الندية لا صفاء بدجلة ولا شروق على الفرات
اعرف أن بك غصة وحرقة وأنت ترانا في وحل الهزيمة وقد تفرق الأعراب واسلموا ظهورهم للأغراب.
حرفك الشجاع ليس هذا زمنه رفضك الكبير ليست هذه أرضه طينتك المعجونة حبا للعراق الحق وقائده الحق وتاريخه الحق وشعبه الحق ليس هذا أفقها
أنت نخلة ونحن بلا نخيل أنت حرف ونحن نقاط حائرة أنت وفاء ونحن غثاء كغثاء السيل
ما عاد يطيب لك المقام هنا أعرف ذلك فلا صرخة فارس ولا ومضة سيف ولا غبار معركة ولا لواء مجد
مثلك لا يعيش هنا أنت ثائر صادق وفي شجاع تنحت الشعر سيوفا وصهيلا ورهبة انتصار تكور الحرف نهرا سلسبيلا تمنح ضفتاه الظلال والغلال لكل العابرين وللطيور حرية الغناء تحليقا
لا مكان لك وقد رحل الذين يعاش فى كنفهم
رجل مثلك لا مكان له بعد رحيل الرجال أنت لا تجلس مع النساء وأشباه الرجال أنت منذ نعومة أشعارك كنت رجل حق وعروبة وكبرياء ولا يليق بك إلا الرحيل إلى أفق فيه من ترتاح لهم من يمنحونك ألقا بكبريائهم من يسمعونك صرخة حق ومن ترى فى عيونهم بريق خالد والقعقاع وعمرو والمثنى وشرحبيل من ترى في سحناتهم ملامح خيل تعرفها وملامس سيوف تعرفها
لأنك لا تطيق الذل رحلت عن أرض البوار ولأنك لا تعيش في الحفر الواطئة مع الحشرات الكسيحة هزيمة وانسحاقا ورجعية فقد ذهبت باتجاه الشمس تحث الخطا في أثر أغلى الرجال وأنبل الرجال وأصدق الرجال أولئك الذين افتدوا كبرياء العرب وتاريخ العرب وشهامة العرب بأرواحهم قبل كلماتهم
أليس جميلا يا عبد الرزاق أنك تطيبت وتزينت وأخذت حقيبتك وذهبت إلى الله إلى ملكوت الطمأنينة لتعانق أرواح آخر الرجال العرب الذين كانوا مثلك لا يقبلون حياة الذل والمهانة والهزيمة
أليس رائعا أن تضرب موعدا مع رجل أحببته وفاء وصدقا ورجولة وكنت وفيا له حيا وميتا
أليست قمة الوفاء أن تذهب فى إثر صدام حسين المجيد وقد اختط لك ولنا دربا صقيلا مضيئا لا اعوجاج فيه اختطه بدمه الفوار عروبة وبروحه الصاخبة كبرياء
لم تودعنا يا سيدى فأنت تعرف أنك هنا بيننا ما ذكر رجال العرب وأيام العرب وشعر العرب وعزة العرب وعراق العرب
نحن لا نبكيك وكيف نبكى رجلا كان قيما تمشى على قدميها
أنت ياسيدى كتبت بالديناميت ورصعت حروفك باظافر حنظلة و ضمختها بماء الرافدين ونمقتها بنخيل العراق ورجال العراق وشحنتها جهادا وجلادا ووفاء للذين يستحقون الوفاء
أنت كبير كالرجال الذين عشت معهم وما عادت دنيا الذل والهوان والهزيمة تسع قاماتهم الفارعة عزا وكرامة وإباء وانتصارا ففضلوا الرحيل كبرياء وعزة نفس
نم قرير العين يا آخر الشعراء بعيدا عن بغداد التى تيتمت برحيلك وأنت الذى منحتها وقائدها أجمل القصائد وأنقى الحروف وأصدق مشاعر الحب والوفاء
نم يا سيدى واستمع بهدوء للذي يصيح بك أبدا وقد غفوت تحت التربة الطاهرة الندية وهي تحتضنك حنانا وحبا"إن العراق معافى أيها الجمل".

كتب الشاعر أحمد دولة ولد المهدي:

حَيِّ العراق
عَزِّ العراقَ وعَزِّ المجدَ والأدَبَا والفَخْرَ والشعرَ والتاريخَ و العَرَبَا
حَيِّ العراقَ وحَيِّ الرافِدَيْنِ فَمَنْ حَيَّا العراقَ رَثَى أبْناءَهُ النُّجَـــــبَا
وقُلْ لِرَاحِلِهَا المَوْهُوبِ مَنْ بَقِيَتْ فِينَا رَوَائِعُه العَصْماءُ ما ذَهَبَــــا
فثِقْ أبَا خالِدٍ تَبْقَى القَصَائِدُ مَا دارَ الزَّمانُ وما بَقَّى المَدَى الأَدَبَا
قَدضاقَ ذَرْعًا بما لاقَتْهُ أمَّتُهُ ففارَقَ الرُّوحَ لاجُبْنًا ولاهَرَبَــــــــا
ألْحِقْهُ رَبِّي بأوْفَى أهْلِ مِلَّتِهِ فكُلُّ مَنْ في الوَرَى رَهْنٌ بما كَسَبَا
كانَ السَّمَوْأَلَ في العَهْد الذي وَجَبَا كانَ السَّمَوْأَلَ لَـمَّا أنْ وفَى وأبَـــى
قد رَاوَدَتْه طَغَامُ السُّوءِ فانْتَفَضَتْ فيهِ الشَّهامَةُ وانْدَقَّ الطَّغَامُ هَبَـــا
كانَ الوَفِيَّ لِعَهْدِ الرَّافِدَيْنِ كَمَا كانَ الحَفِيَّ بِهِمْ أمًّا يُرَى وأبَـــا
أهْدَى العراقُ لنا قَوْمًا إذا احْتَجَبُوا فإنَّ ما وَرَّثُوا لِلْمَجْدِ ما احْتَجَبَــا
مَنْ مِثْلُ صَدامَ في ذا الكَوْنِ أجْمَعِهِ حـَزْمًا وعَزْمًا وإقْدَامًا ومُنْتَسَبَــا
أوْ قَوْمِهِ الغُرِّ مَنْ ضَجَّ الأنَامُ بِهِمْ والأرضِ كوكَبِها لما طَحَا ورَبَـــــــا
تَشْؤُ الجِيادَ ولا تَكْبُو جِيادُهُمُ يَوْمَ الجِلادِ إذا الطِّرْفُ الجَوَادُ كَــبَا
يادَهْرُ ماشَأْنثها يادَهْرُ مابَرِحَتْ أيَّامُـهُ تَتَوالَى في الوَرَى شُهُـــــــبا
لَقَدْ تَـتَايَعَ مِمَّا أنتَ شاهِــــدُهُ ما هَدَّ أرْكانَ هَذَا الكَوْنِ أوْ كَرَبَــــا
ما بالعِرَاقِ وما بالشَّامِ يَعْجِزُ عَنْ وَصْفٍ لُهُ كُلُّ مَنْ أمْلَى ومَنْ كَتَبَــــــا
لَوْ كانَ يُفْنِي سَماعُ الشَّرِّ مابَقِيَتْ نَفْسٌ لِسَمْعٍ ولاقَوْلٌ لِمَنْ خَطَبَـــــــــــا
لا عَتْبَ رَبِّي فَلا زَيْغٌ ولا نَزَقٌ ولا شَكَاة لغير الله أو رَهَبــــــــــا
أدْرِكْ مآثِرَ قد مادَتْ دَعائِمُهَا يَهْتَزُّ منها نِظامُ الأرْضِ مُضْطَرِبَــــــــا
العيون ، 01/ صفر/ 1437 هــ
الموافق 13/ 11/ 2015

كتب الشاع الشيخ بلعمش:


حنانيك لا تُبك العراق ( رثاء للشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد )
حنانيْكَ لا تجلسْ بُمفترقِ الذِّكرى ۞ خُذ الشمس كرسيًّا فأنتَ بِها أحرى
وعلّلْ يتامَى الحرفِ بعدك بالهوى ۞ فقد أبت النَّايات أن تسكُن الشعرا
حنانيك لا تُبك العراق... ألم تكن ۞ قوافيك منديلا لأدمعه الحرى ؟!
ألم تك مزمار العراق وسيفه ۞ ونور مآقيه وآيته الكبرى ؟!
وكنت سفير الرافدين إلى الورى ۞ أَكُنتَ مع النَّهرينِ بينَهُما نهْرا ؟!
وهبتَ لتلك الأرض عمرك كلَّه ۞ وضنَّتْ بشبرٍ بعدما استوفت العُمْرا !
كأنَّك لم تعشقْ ثراها ولا الثرى ۞ بشعركَ ناجى القادسيَّةَ أوْ بَدْرا !
حنانيْك لا تعتبْ.. فأزْلامُ قيصرٍ ۞ فسادًا بها عاثوا وعاثَ بها كسرى
وكانتْ مصابيح السماءِ لأجلها ۞ تُنيرُ.. ولكنَّ الزمانَ بِنَا أزْرى
ولولا العراقيُّون ما كتبتْ يَدٌ ۞ ولا أبصرتْ عيْنٌ ولا طَلَعتْ بُشْرى
ولولا العراقيُّونَ ما كان شاعرٌ ۞ فبابلُ ألقتْ في تَأوُّهنَا السِّحرَا
فكيف تمادى الموتُ في جَنَبَاتِها ۞ وأرهَقَها الأَغْرابُ منْ أمرِها عُسْرا ؟!
أظلَّتْ قَوافِيك الأنامَ من اللظى ۞ ولنْ يجدوا إذْ غِبْتَ منْ دونِه ستْرَا
وكُنتَ إذَا ما اغتالت الصمتَ زفرةٌ ۞ جعلتَ لهمْ منْ كُلِّ قافيةٍ نَصْرا
فَيَا لَدموعِ النائحاتِ حواسِرًا ۞ عليْكَ وَيَا لِي حينَ ألتمسُ العُذْرا !
لِذاكَ المُسجَّى بينكنَّ قصائدٌ ۞ شربْنَا بِها صهباءَ لا تُشبهُ الخَمْرا
تدبُّ حُميَّاهَا فنَفْتِكُ بالدُّجَى ۞ ويبدو مُحيَّاهَا فَنُعلنُهُ فَجْرا
يقولونَ عانقْتَ الخُيولَ مُودِّعاً ۞ فَكُنْ بيْنَنا سِرًّا إِذَا لمْ تَكُنْ جَهْرا
حنانيْكَ.. جَامِلْنَا.. فَلا أُمُّ خالدٍ ۞ تُطيقُ وداعًا أوْ نُطيقُ لَهُ صَبْرَا
''ويا ويلنا من يوم يرحل واحد ۞ ويبقى الذي يبكيه'' هَلْ تُكمِلُ الشَّطْرا ؟ 

كتب الشاعر الدي أدب:


عزوا عمود الشعر
(رثاء لشاعر العرب: عبد الرزاق عبد الواحد )
عَـــزُّوا ..عَمُـودَ الشِّعْرِ.. هُدَّ بَيَانُه!
بَيْتُ القَصــــــيدِ.. تزَلْزًلَتْ أرْكانُه!
وبُحُـــــــورُه جَفَّتْ.. وجَفَّ الرَّافِدَا
نِ.. تَفَجَّعَتْ.. مِلْءَ النَّخِيلِ.. جِنَانُه!
وتَلَمَّسَتْ شَفَةُ العِــــرَاقِ.. لِسَــــانَه
فإذَا العِراقُ.. اليَوْمَ .. مَـاتَ لِسَانُه!
قد مَاتَ"عبْدُ الواحِدِ"..الشِّعْرُانْتَهَى
فهْوَ القصــــــيدُ.. ونبْضُـه أوْزَانُه!
وخَيَـــــــالُه آفَـــــاقُه.. أحْـــــلامُه
أفْنَانُه.. آلامُــــــــه نِيـــــــــــرَانُه!
يا ضيعة العَرَبِ.. البَيَانُ شِعَارُها
وبمَوْتِ شَـــاعِرِهَا امَّحَى عنْوانُه!
لكنَّه.. إنْ يَنْطَفِئْ.. جَسَدًا.. فَـــفِي
رُوحِ القَصــــائدِ.. خـــالدٌ.. لَمَعانُه!
لهْفِي.. علَى قبْرٍ.. بباريسَ.. انْتَفَى
وَدَّتْ.. وَوَدَّ.. تَضُمُّهُ.. بَغْــــــدانُه!
جَسَدٌ.. منَ امشاج العِرَاقِ.. مُؤَسْطَرٌ
قد ماتَ.. يَرْجُــــو.. عَوْدَةً.. جُثْمَانُه
والرُّوحُ.. ما بَيْنَ القَوَافِي.. والمَنَافي
لَمْ تَزَلْ.. ألْحَـــــــانُها.. ألـحَـــــــانُه
هَذا الذي كتَبَ العِــــرَاقَ.. مَلاحِـمًا
حتَّى ازْدَهَى -مِلْءَ الفَضَا- دِيــوَانُه
ما اخْتَانُه.. وَطَنُ الأسَاطيرِ.. الألَى
وأتَى العِرَاقُ.. الطـائفِي.. يَخْتــانُه
أدي ولد آدب-8-11-2015

كتب الشاعر محمد إدوم:

لم نستطع صبرا
من أطفأ النورَ؟ كيفَ النورُ يُحتضرُ؟
وكيفَ هزَّكِ يا بغدادنا الخبرُ؟
يا نورَ بغدادَ للدنيا وصورتَها
للعالمينَ وفاءً رغمَ من غَدَرُوا
يا نورَ بابلَ؛ إشراقَ العراقِ؛ دمَ الْ
فُراتِ.. يا جدولَ الرقيا لمن سُحِرُوا
قد عشتَ نوراً، ونوراً غِبْتَ عن غَدِنا
لمنْ سِواكَ سيُفْشِي سِرَّهُ الخَضِرُ
تلكَ السَّفينةُ لم يُعبث بها عَبَثاً
خِيفَ العراقُ فعَاثُوا فيهِ ما ادَّكَرُوا
وأنتَ وحدَكَ مكْشُوفاً وقَفْتَ لهمْ
تسْتَلُّ شِعْرَكَ منْ مَنْفاه.. تَنْتَصِرُ
غَنَّيْتَ صبْرَكَ، بلْ صبرَ العراقِ بِناَ
وأدتَ صَمْتَكَ مُذْ لاحَتْ لَكَ النُّذُرُ
ذاكَ الغُلامُ الذي شاهدتَ غِيلَتَهُ
ما عَقَّ، لو عَقَّ ما كانوا به مَكَرُوا
ذاكَ الغلامُ العِرَاقِيُّ الهَوَى قَبَسٌ
من نارِ سُومرَ حيثُ النور يخْتمرُ
وأنتَ تَرْثِيهِ مُنْكَباًّ على جَدَثٍ
رطْبٍ تَحِيكُ بهِ عُذْراً وتنفطرُ
لا تعْتَذِرْ لغُلامٍ لسْتَ قَاتِلَهُ
دعْ عِشْقَهُ لعِراقِ المجْدِ يعْتَذِرُ
أمَّا الجدارُ فلنْ يَنْقَضَّ.. كيفَ لَهُ؟
وقدْ تمازجَ فيهِ الغَضُّ والكِبَرُ
هو العراقُ الذي ما شاخَ من زمنٍ
فكُلُّ قرْنٍ لمتْنِ الحسْنِ مُخْتَصَرُ
وأنتَ صيَّرْتَهُ مبْكىً وأغنيةً
للماكثينَ وترياقاً لمنْ هَجَرُوا
أناَ وشعرُكَ نبْكي يُتْمَنا قلقا ً
منذُ انْطَفأتَ.. ويبْكي خَلفَنا القدَرُ
متى سنَكْبُرُ؟ هل للكنزِ متَّسَعٌ
تحتَ الجِدارِ؟ وكمْ عُمْراً سننتظرُ؟
لم نستطعْ.. صبرُنا هشٌّ، وتُهْمتُنا
أنَّا عَشِقْناَ عِراقاً عِشْقُهُ غَرَرُ
لا تُطْفِئ النورَ.. حاولْ أن تُعَاقِبَناَ
إلاَّ بِموْتِكَ لا تحفلْ بمنْ عَبروا
يا سادنَ النُّورِ لمْ ترحَلْ.. رحلتَ بِنَا
إلى حُضُورِكَ فارحمْ ضعْفَ منْ حَضَرُوا
يا سيدَ الحرفِ لمْ ترْحلْ.. رحَلتُ أناَ
إلى غيابكَ.. عَلَّ الموتَ يَنْكَسِرُ.

كتب الشاعر المختار السالم:
تفعيلة إلى شاعر الشعر.. "عبد الرزاق عبد الواحد"..


إن الشعر لا يرثي الشعراء.. مطلقا لا توجدُ قصيدة تستطيعُ أن تحتفي بشاعر سواء كان حيا أو تظاهر بالموتِ..
يمكن للشعرِ أن يكون كل شيء إلا أن يمنحَ للشاعر حقّ النسيان.. فالشاعر إن ماتَ يكونُ قد استكمل جانبهُ الفلكيَّ، وأيقظَ النجومَ لتعزف لهُ أنشودة النبض الفخمِ في ملكوت الله...
لا يبتعدُ الشعراء كثيرا عن الناس.. إنهم فقط يقتربون من صفّ الرسل والأنبياء والملائكة... ويتعطرونَ بالحبّ والسلام والجمالِ.. أينما كانوا، في الحب، أو الحرب، في دمعة اليتيم، أو سنبلة الفقير، في شعث الأرملة.. أينما كانوا، همُ الناس الذينَ يبقون نظيفين، لأنه ما من مرايا ترتكبُ الخطايا.. والشعراءُ، وبقليل من الدمع والملح والخبز والذكرى، يمكنُهم السباتُ الضوئيّ إلى الأبد..
إن الشعراء هم ملائكة القافية... وحين تغفو الملائكة.. تربتُ الآفاق على بعضها البعض خوفا على فقدان الشمع الذي يولد مع الشاعرِ...
اليوم... أيها السادة.. يا بقية الشرف البَعْـثيَ في مكان "آخرِ حافر" لجواد عقبة ابن نافع.. اليوم.. قرب بئر آل بوحبيني.. نجتمعُ لأن آخر شمعة انطفأتْ في الأرض، لتضيء في القلوب.
اليوم، نجتمعُ، في ظل راحلة "المتاليّ"، لنقول إنّ الضاد والقصيدة والعروبة ثكلى، وربّ الكون الأعلى...
تحدثوا.. أنتم.. فليسَ لديّ ما أقولهُ.. إنني أحترمُ غفوة الوتر..
حين يتعلقُ الأمر بفقدان الرجال العظماء.. كل شيء يصعبُ إلا الألم..
ألقابٌ كثيرة أطلقت على الشاعر الذي نام في الجنة يوم الأحد الماضي..
هكذا حجز سريره ونام...
نام مع أحبابه الذين تغنى بهم شعرا طوال أكثر من خمسة وثمانين حولا... تغنى بالرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم)، الحسين، وصدام حسين..
لقد ترجلَ وما يزال القليل جدا من "غبار كربلاء" يغطى الأفق العربيّ... قليل من غبار كربلاء ما يزالُ على العيون بعد ثمانمائة عام على مرور المغول.. في ذات الجسر الذي ما يزال يسلكهُ الترك والمجوس والصهاينة..
ألقاب كثيرة أطلقت على عبد الرزاق عبد الواحد.. "شاعر المعارك".. أو "شاعر صدام".. "شاعر البعث".. إنه "شاعر الشعر".. شاعر البقية الأخيرة التي حجزت لنفسها في سفينة البعث فنجاها الله من طوفان الذلّ والهوان، فأطعمت مهجها للمشانق، وسيوف الغدر، وحتى للهوام.. من "مصطفى" إلى "صدام"..
إنها سلالة الذبيح الثالث، وسيشهد التاريخُ أنّهُ ما سقط منا فارسٌ إلا بغزو صليبي، يهودي، مجوسي "مشترك" مع خيانة رغالات وفتاوى رجالِ "دينُ نار".
أيها الراحلُ في غمام الله..
الموحدُ بالله،
المادح لرسول الله،
المفتخرُ بالإسلام،
المعتزّ بالحسين، وخالد، والقعقاع، والمثنى، وسعد، يا آخر أنبياء الشعرِ..
يا بستانَ العروبة الزاهر، وجبل الشعر الساحر، وسادن الوفاء العامر.. إنك من صفوة اختارها القدرُ لتعيش وتموتَ من أجل زمن لا "يتأمرك" فيهُ التاريخُ، وقدْ انبطحت جغرافية الشرقِ.. مثل جواري ما قبل عام الفيل..
آه يا قمر بغداد، يا نجم العراق، يا مجرّة العروبة، يا ذكرى جسر الرصافة، وماء عيون المهى، وخرير دجلة والفرات حين يعزفان لبغداد ذلك اللحن الشجيّ، اللحن الذي أسكر أنامل عازفيه..
إن الأقمار تنثرُ الضوء، لكنها لا تمسح دمع المحبين، لأن دمعهم هو آخر الماء المقدس في كينونة البوحِ الآسر..
هنا بين "تلال الملح" و"نساء السكر".. في بلاد شنقيط، سنحفرُ اسمك نقش أيقونة تزيّـنُ "سفر الرفع" في حروفنا.. نحنُ الساهرينَ على ثغر الضادِ، حراس الكبرياء، نحن ندركُ معنى أن يغيب هديل النجم، وأن يصبح بحجم جدول حزن.. لكنْ هيهات أن تنسى العنقاء آية الخلود.
هنا، يا قمرَ الزمن البغداديّ.. ومنذ ارتقى صدام حسين، متنكبا قوس شجاعة نبوخذ نصر.. أووه... كم هي بابلٌ عظيمة حتى حين تعلق مشانقها بدلا من حدائقها...
هنا أيها القمرُ البغداديَّ المدثر بعطرِ الشعر.. هنا تطلّ علينا في رشفةِ الشاي، في حليب النوق التي دعوت لحنينها.. إنك في كل قميص عطر تحمله ريحُ الله إلى حيث ابيضت عيونُ، واشتعلت حشاشات أرواح..
لقد كان سفرك قصيرا، هذه المرة، ومساحة أوجاعنا طويلة... لقد كنْت عبد الواحد.. حين فتحت كل شبابيك العزّ والشهامة.. لقد احترمك الموت حتى أنهُ سمح لك أن تموت بكبرياء في زمن المزابل.
إن نيسان ليس خفيفا كالطيور حتى يهاجرُ، لكنه دائما بروح وردة وأنفة سيف..
"كبيرٌ على الدنيا إذا ما تعافها"
وتصغرُ في عينِ الرفاق ضفافُها
لتختارَ فجرَ الخالدين وترتقي
إلى جنة الرحمن زاه قطافُها..
لأنكَ عبدُ الواحد الحقّ خالدٌ
بأمته، بلْ نبضها وشغافها
فكمْ دجلةٌ أفشى إليكَ همومه
ولولا صهيلُ الشعر كانَ يخافها
وقد يبخلُ "الأهلونَ" حتى بنعيكمْ
أما قلتَ إنّ اللاتَ جفّتْ نطافها
لك الله يا نجم الشهامة والعلا،
وذكرى رفاق يستحيل انحرافها.

 
المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122