الوطن في خطر!. / الشيخ ولد لحبيب

2013-02-28 12:03:00

كانت الشمس تتجه للغروب، من بين مئذنة أقدم جامع في نواكشوط الخمسينية، وأحدث سلطة عسكرية حاكمة متمترسة في مبنى إدارة أركان الجيش الموريتاني. سوف تشرق الشمس بإذن ربها بعد غروبها المعتاد،

.

أما شمس وطننا الحالية فهي لا تغيب حتى اللحظة، ولا تعد أحوالها بشروق جديد:إن الوطن في خطر حقيقي منذ نشأته كدولة قبل 52 سنة.

لذلك ربما رفع حزب تواصل الإسلامي شعار ” الوطن في خطر”، أو أنه أوحى لنا معاشر الجماهير العادية التي لا ترتبط معه برابطة روحية آيديولوجية، أو رابطة عملية ” براغماتية”، بأنه يفكر كذلك. بالنسبة لي لم يضف لي شعار المهرجان أي دهشة متفكرة في ما وراءه وساعية لاستكناه مضمون محموله السياسي، لذلك اعترف أنني لم أسع إلى مهرجان حزب تواصل مساء أمس، لأنني أريد أن أتأكد كيف يكون الوطن في خطر، ولم أسع أيضا لأسمع خطابا سياسيا وتحليلا حزبيا لوضعية الوطن الحالية، فلطالما اقتنعت أن أحزابنا تتشابه إلى حد التقاطع بحسب تعبير ” ريجينسكي”، في خطاباتها وتحليلاتها السياسية!.

لقد قررت السعي لمهرجان ” الوطن في خطر” لأنني أريد اكتشاف كيف سيواجه حزب تواصل خطر البلطجة التي أفسدت مهرجان نظيره في المعارضة، حزب التكتل؟. كانت هناك أشياء أخرى مستنبتة من ذلك السؤال الفضولي، سوف أعرض لها في ثنايا هذه الجولة!. بعد صلاة العصر بقليل، كان السيد “آلاسان”، وهو ممرض عسكري متقاعد، يقول لي بعد أن اشتكيت له من ألم في قاعدة قدمي: ربما بسبب وقوفك الطويل في مهرجان المعارضة” يقصد وقوفي في مهرجان التكتل منذ ثلاثة أيام”!. نشعب حديثنا بسرعة ليصل إلى خطر البلطجة، وليسرف في تحذيري كأي والد شفيق!. أدت كل أجراس الخطر التي قرعها في ذهني، إلى أن أتخفف من كثير من أشيائي الثمينة ” وهي قليلة جدا”، وأتركها في المنزل، ثم ارتديت زيا موريتانيا وطنيا ” االدراعة”، لكني اتخذت واحدة عادية جدا وليست بذات قيمة تذكر، تحتها كنت أرتدي بنطالا رياضيا قصيرا وواسعا، يصلح تماما لتنفيذ حركات كاراتيه سريعة !. بعد أن صرفت مائتي أوقية كأي مواطن “مستقل” ولا ينتظر سيارات الحزب كي توصله لمكان الخطر”أقصد المهرجان”!، وصلت وفاجأني تماما ما رأيت!. ;كثيرا ما سمعت عن القدرات التنظيمية المميزة لحزب تواصل، لكن المشهد الذي رأيته كان فوق كل  ما تخيلته، أو اكثر من كل ما تخيلته على طريقة الإعلان المشهور!. في بضع ساعات منذ الصباح، قام أهل التنظيم في تواصل بتقطيع ساحة مسجد بن عباس إلى مستطيلات ومربعات، فصلوا بينها بمجموعة حبال، وبلجان تنظيم ترتدي زيا موحدا على طريقة مهرجانات حماس الغزاوية!. أحسست بالراحة كزائر للمهرجان، رغم أنني اضطررت لأن ألف طويلا كي أصل للباب المخصص لدخول الرجال، ورغم أن فتية وغلمان حزب تواصل حاولوا منعي من السير على رصيف شارع أدفع الضرائب كي يرصف ويكون بشكله ذاك!،…

كان كل شيئ في المهرجان مبهرا على مستوى التنظيم والأمن!. كان مشهدا يثبت أن حزب تواصل تفوق في تنظيم مؤتمره السياسي بطريقة ديمقراطية شفافة منذ أسابيع، وعاد ليتفوق في تنظيم مهرجان في قلب ” الخطر” وعصاباته التي يظن البعض أنها محركة من قبل السلطة العاتية الحاكمة للوطن. أما ما كسر كل ذلك التجانس والإنسجام في لوحة التنظيم المبهرة، هو ذلك الخطاب الذي صدم وعيي بمجرد دخولي!،…إنه خطاب أعاد لذهني حماسة شاب سياسي وقف ذات يوم ماضي على منبر في مسجد في عاصمة الوطن، ليقول إبان رفض الترخيص لحزب الأمة الإسلامي: ” نحن حزب الله وبقية الأحزاب علمانية”، إنه الرئيس الحالي لحزب تواصل السيد محمد جميل منصور. نفس حماسته الغابرة  واستدعائه للغة الفسطاطين  ما زالت تتبدى في كل ما صدر عن المهرجان من خطابات في الربط والإنعاش، أما كلام السياسيين فتنطبق عليه قاعدة ” التمييز بين الدين والسياسة” كما يشرحها صديقي أحمدو ولد الوديعة، وهي عنده تفيد بأن حزب تواصل وزعمائه مثل أي حزب سياسي آخر، وأنه لا ينبغي الخلط بين العمل الدعوي والعمل السياسي، ولكل رجاله!.

في بداية دخولي، كان ثمة شاب ذو صوت أشج يهتف: اصبروا، واحتسبوا كل تعب أو نصب تلاقونه هنا عند الله،…، بعد ذلك بقليل  التقطت الكلام الإنعاشي  فتاة من تواصل ومن قناة ” المرابطون “، ثم ابتدرتنا قائلة: أيتها الوجوه المتوضئة السلام عليكم….!، وهو ما استدعى ملاحظة من أحد الحضور بأنه ليس متوضئا، و لذلك لم يشمله سلام المرأة!. تحدثت الفتاة فأجادت في إشعال حماسنا بربطها مطلب الرحيل ، بحقيقة أن الوطن في خطر من الرئيس الجنرال عزيز ورهطه و ممارساتهم، ثم تمادت فبعثت تهديدا واضحا للسلطة الحاكمة بأن ترحل قبل أن يتخذوا ضدها اجراءات أقوى تجعلها ترحل!.

نفس المعنى تقريبا تواطأت عليه الأناشيد والأشعار الحماسية التي  أطلقها قوم منصة الخطابة الرسمية في مهرجان الوطن في خطر، لكنه معنى يبدو من خلال أحاديثي مع بعض الحضور لا يشكل قناعة حقيقية لديهم، بل إن بعضهم قال: هذه المهرجانات والحشود لن تزحزح الرئيس الجنرال عزيز،  ولا تهمه، وكأن لسان حاله يقول: أنفقوا ما شئتم من أموالكم، وأقيموا ما شئتم من مهرجانات ، انا باق رغم كل ذلك!. استدعى مني ذلك أن أقول: نحن في زمن الانتخابات نعاني من ذهنية شعبية غالبة ترفض أن تعاند صاحب السلطة ومن يرشحه، و في غيرها نحن نحشد الحشود وننجز المهرجانات ونطالب بالرحيل، ثم لا نستطيع زحزحة السلطة ومن ترشحهم لحكمها، فما الحل؟…،العنف ليس حلا لأن الوطن عند ذاك سيغدو في خطر أكبر؟…وما أعتقده أن نموذج الحركات الشبابية المستقلة والتي قمعت بشكل وحشي منذ أيام، لو فعل وطور سينتج تغييرا، لكنه تغيير على أمد طويل، ولا بد لأصحابه من أن يحددوا بدايتهم، ويتجنبوا تحديد سقف زمني أو سياسي !.

كان علينا بعد ذلك أن نخرج إلى أقدم مساجد عاصمة الوطن المحاذي لنا لنصلي المغرب، و لم يتوقف المهرجان إلا بعد ولوجنا في المسجد، وأبديت استغرابي من عدم ذهاب الجمع للمسجد، وهو ما شرحه لي أحد رفقتي من شباب تواصل قائلا: جميع الأحزاب تقيم الصلاة هناك بمحاذاة منصتها !. كنت أفكر: هل تكون الصلاة في جماعة المنصة أفضل وأكثر أجرا من الصلاة في جماعة المسجد المحاذي؟..، في الواقع لم أفرج عن سؤالي هذا لأننا في حضرة مهرجان سياسي للوطن ، وينبغي التمييز بين السياسة والدين بحسب تعاليم صديقي الإعلامي وصاحب الربط الأول في مهرجان تواصل الأستاذ أحمدو ولد الوديعة!. ورغم  ذلك استمر الربط واضحا  في ساحة المهرجان ” الوطني”، بين سؤالي منذ يومين والذي أثار علي نقعا من الاتهامات والسباب حول وجود علاقة  ”إفتاء”  بين محاضرة الشيخ الجليل محمد الحسن ولد الددو، السابقة  لمهرجان حزب تواصل بيوم واحد، والتي تتحدث عن شباب الصحابة وفضيلة الاقتداء بهم، وبين عدة ممارسات أراها بأم عيني في الساحة وفي حدودها. غير بعيد من إحدى اللافتات ، لفت انتباهي شاب صغير السن، يصلي رغم ضجيج مكبرات الصوت الذي استئنف نشاطه بعد صلاة المغرب، لم أتأكد هل يصلي الشاب الفرض أم السنة؟.. هل  تستحق حماية اللافتة  التواصلية من الوقوع أو السرقة أداء صلاة الخوف؟؟؟!..، هل هذا هو تجسيده لمفهوم الطاعة لجماعة الحزب و أهل الحل والعقد فيه؟؟…،

على كل حال أقنعت نفسي بأن الأمر إيجابي لو صاحبته كل فضائل الإسلام وآدابه الأخرى من الصدق، والمودة في القربى، والرحمة بالناس جميعا، والكلمة الطيبة، واحترام الآخر المخالف  حتى ولو كان الشيطان نفسه،,,,وأولا وأخيرا فهم أن التمكين في السياسة هو وسيلة للتمكين للدعوة وليس العكس!. خرجت من تساؤلاتي تلك لأنتبه فجأة على صوت الأستاذ محمد غلام نائب رئيس حزب تواصل وهو يعدد مظاهر الخطر الذي يحدق بالوطن من وجهة نظره، فإذا به يتحدث عن خطر استهداف رجال الأعمال و….،وإذا بي لا أجد جديدا في موضة التعاطف مع رجل الأعمال محمد ولد ولد بوعماتو، والتي تحدث عنها قادة حزب التكتل في مهرجانهم منذ ثلاثة أيام، ولم يستنكف كلا الطرفين : تواصل والتكتل، من أن يعتبراها حربا خاصة للجنرال على من يقول له : لا. …، ليس هناك جديد إنها نفس السياسات حتى ولو كان حزب تواصل يستقبل زعيمه بنشيد يهتف بشعار: الإسلام هو الحل،…، إنه نفس فن الممكن الميكيافلي دون أن تطاله  صبغة دين الله العلي الحكيم ، ودون أن تحوله إلى فن التغيير!.

أثناء خروجي من المهرجان الحاشد، كان مني أن حاولت المقارنة بينه مع مهرجان التكتل ،وكلاهما هو للوطن، وكلاهما لترحيل النظام الحاكم، فخرجت بالمعطيات التالية: يتقارب حضور المهرجانين كثيرا، ويتفوق مهرجان تواصل في تنظيمه وتأمينه، وإذا كان مهرجان تواصل بالآلاف كما تقول مواقع الأخبار والسراج و…، فإن مهرجان حزب التكتل هو أيضا بالآلاف  عكس ما قالت عنه قناة ” المرابطون”، والتي كان كل طاقمها تقريبا مسؤولا عن الإدارة الإعلامية  للحشد التواصلي، ومسؤولا عن الربط والإنعاش فيه. أترك المهرجان  بنفس الطريقة الشخصية التي جئت بها إليه، و أنا مشغول في حجم الخطر الذي يمكن أن يكون داهما لو استسلمنا لمنطق ميليشياتي سياسي، فمنذ  وقت قريب و أثناء عودة الرئيس الجنرال من باريس ومن حادثة ” الرصاصة الصديقة”، فوجئنا جميعا بمجموعات منظمة تهاجم منزل رئيس حزب تواصل، وسيارة المسؤول الإعلامي البارز في حزب تواصل أحمدو ولد الوديعة بعد ذلك، وقبل ذلك فوجئ الجميع بمجموعات منظمة ذات زي موحد تتولى مرافقة رئيس تنظيم إيرا وتحميه، وفي مهرجان تواصل هذا إذا نحن إزاء مجموعات منظمة ومدربة كما يبدو على التأمين  والتصدي ، وغدا ربما يتخذ حزب التكتل هو الآخر ميليشيات  تنظيمية خاصة به،…..،ولربما يتحول كل اولئك إلى استعمال واقتناء أسلحة للدفاع عن أنفسهم…، كل ذلك مقلق ويضاعف الخطر على الوطن.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122