أسرار صدمة المغتربين عند العودة إلى أوطانهم (تحقيق)

2015-05-15 14:32:00

يتطلع المغتربون إلى التمتع بالعديد من الأشياء الصغيرة التي كانوا يفتقدونها بعد قضاء وقت طويل في الغربة، مثل زبدة الفول السوداني، أو أكياس الشاي، أو وجبة السمك مع البطاطس، وغيرها من الأشياء التي اعتادوا عليها في بلدانهم.

.

ويعد هذا الحنين إلى الوطن أمرا متوقعا عندما ينتقل الناس إلى الخارج. لكن الشيء الأقل توقعا هو تلك الصدمة التي يمر بها العديد من المغتربين عندما يعودون إلى الوطن، ويدركون أنه لم يعد كما كان في أذهانهم.

المدهش في الأمر أن العديد يجدون أنفسهم يعانون من أجل التعايش مع البيئة المحيطة، والتي طرأت عليها تغيرات بعد أن رحلوا عنها.

فكيف يمكن لهؤلاء أن يعيدوا ضبط نمط حياتهم من جديد؟ ذهبنا إلى موقع "Quora" (كورا) للأسئلة والأجوبة للحصول على بعض المقترحات العملية من أجل المغتربين الذي تركوا بلادهم لفترة طويلة ثم عادوا إليها مرة أخرى.

توصي المستخدمة غوين ساوتشك بشراء منزل في بلدك الأصلي وأنت لا تزال تعيش في الخارج، وأن تذهب لقضاء فترات الإجازة والعطلات في ذلك المنزل.

وتقول: "بهذه الطريقة، تستطيع أن تطور علاقاتك داخل بلدك. وعندما تعود إلى إليه للعيش بشكل دائم، ستشعر بأن ذلك موطنك، وأنك تنتمي إليه".

وتقترح ساوتشك أيضا أن تشارك في أنشطة تساعدك على الاندماج في مجتمعك، وأن تشارك مثلا في دورات تحتاج إليها، أو "تعمل في وظيفة لبعض الوقت، أو تنخرط في بعض الأنشطة التطوعية. أي تفعل كل ما يساعدك على مقابلة أكبر عدد ممكن من الناس".

وتضيف "لا تتحدث على الفور عن الأماكن أو الدول التي ذهبت إليها، أو ماذا أنجزت فيها. فهذا يعطي الناس شعورا بأنك تتفوق عليهم، وهذا قد يجعل الناس يبتعدون عنك".

وتتابع: "اظهر بعض التواضع، وقدم قدرا قليلا من المعلومات عن نفسك ببطيء شديد".

وتحذر ساوتشك المغتربين من أنهم قد يجدون الأمر صعبا في أن يتأقلموا مع الوضع في بداية الأمر، وتضيف: "سيرجع الأمر إليك في أن تقوم بالأشياء التي من شأنها أن تجعلك تتأقلم مع بيئتك".

وبدلا من العودة إلى وطنك الأصلي، قد يكون من الحكمة أن تفكر في العيش في مكان يقصده كثير من الأشخاص الذين يسافرون كثيرا "حيث يعتاد الناس كثيرا على الوافدين الجدد".

وتقدم لورا هيل، التي عاشت في خمس دول مختلفة، نصيحتها البسيطة لهؤلاء الذين يعودون للعيش في أوطانهم الأصلية بعد الإقامة في الخارج. وتقول: "عليك أن تتبني نفس عقلية الشخص الذي ينتقل للعيش في دولة أخرى، وأن تخطط أمورك وفقا لذلك".

ينبغي على المغتربين أن يتوقعوا أنهم سيواجهون صدمة ثقافية، وفترات قصيرة من الشعور بالعزلة، وبصعوبة في فهم الطريقة التي تسير بها الأمور في بلادهم التي غادروها منذ وقت طويل، كما تقول هيل.

ويحذر "دون ميريت" من أن تعود إلى وطنك وأنت تحمل أي توقعات بأن ذلك الوطن سيظل كما كان عندما تركته.

ويضيف: "الأمور تتغير، والأصدقاء ينتقلون إلى أماكن أخرى، وقد تكون عودتك بنفس القدر من الصعوبة التي وجدتها عند سفرك إلى الخارج. كما أن الاعتقاد الذي لديك بأن الأمور ستظل كما هي سيزيد من تلك الصعوبة".

أما بالنسبة للمغتربين الذين يعودون إلى بلادهم في الغرب بعد قضاء فترات طويلة في الصين على وجه الخصوص، فإن الفترة التي يقضونها عقب عودتهم لبلادهم يمكن أن تكون قاسية بالفعل.

يقول إليوت تشن إن العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة له كانت تمثل صعوبة كبيرة فيما يتعلق بمسألة التأقلم في مجتمعه.

ويضيف "عندما عشت في الصين، كنت إذا واجهت موقفا مزعجا أو غير مريح، كنت أستطيع على الأقل أن أرجع الأمر إلى نفسي وإلى أنني مختلف ثقافيا عن ذلك المكان، وكنت بذلك أجد الأمور مثيرة ومسلية أيضا".

ويتابع "وعندما عدت إلى الولايات المتحدة، لم يعد لدى ذلك الاعتقاد الوهمي".

ويسرد تشن عددا من الأمور، مثل انتشار ممارسة تعقيم اليدين، والأحاديث حول الهوس بتجريب الأزياء الجديدة، والرياضات الخيالية، وأوعية الطعام الضخمة جدا، وأحاديث أقرانه المتواصلة حول الاستثمار في سوق العقارات.

ويرى تشن أن بلاده في هذه الأيام أصبحت خانقة، وتعاني من التقيد باللوائح والنظم بشكل مفرط، ويتساءل: "أين يمكن أن يدخن المرء سيجارة؟".

في بعض الأحيان، قد يكون مجرد التواصل الأساسي أمرا صعبا، كما يرى مات شيافنزا. ويقول: "الكثير من الكلمات العامية الشائعة والتعبيرات التي دخلت قاموس اللغة خلال فترة غيابي أصبحت الآن تتطاير كثيرا من حولي."

ويضيف: "لم أكن أعلم مثلا أنه يجب علي أن أتعامل بالدفع نقدا عند الشراء من خلال موقع كريغليست الإلكتروني. وتصرفت بشكل طفولي عند شراء بعض الأجهزة المنزلية مثل الفرن وجهاز تجفيف الملابس."

وخلال أول سنة بعد عودته إلى بيته في مدينة نيويورك، بدأ شيافنزا يشعر بأنه يفتقد الصين بشدة. ويقول: "كنت أسعى لإيجاد أصدقاء صينيين، وشاركت في أنشطة خاصة بالطلبة الصينيين في جامعة كولومبيا، حتى أنني صاحبت فتاة صينية".

ويضيف: "كنت أتذمر من غلو الأسعار في نيويورك، ومن صعوبة الحصول على وجبات صحية، ومن إضاعة وقت كثير للحصول عليها."

وفي النهاية، كان الشيء الذي وضع حدا لذلك هو عودة شيافنزا مرة أخرى إلى بكين لقضاء الصيف.

ويقول: "الكثير من الأشياء التي كنت أجدها ساحرة في بكين يبدو أنها قد اختفت أيضا. فقد اكتشفت أنني كنت محبطا بسبب عدة أمور، منها بينها بطء خدمة الإنترنت، ومرواغة سائقي سيارات الأجرة، وتسمم الأغذية، وهي الأمور التي لم تكن تسبب لي ضيقا قبل ذلك".

عاد جيم برويليز الذي يعمل في صناعة التكنولوجيا إلى كاليفورنيا بعد رحلة استغرقت أربعة أشهر فقط إلى الصين.

في البداية، كان برويليز يحب النظر إلى السماء الزرقاء، وقيادة السيارة في أجواء من الالتزام بقواعد المرور.

ويقول: "ثم أصبح الأمر وكأنك تعيش في مدينة أشباح. لقد شعرنا بالعزلة وبالملل. كان الطعام سيئا أيضا. ولم يكن التسوق ممتعا، ولم يكن هناك أناس من حولنا. لم تكن هناك وجوه لتتفحصها".

ويقول برويليز عند حديثه عن العمل إن وتيرة التقدم في العمل كانت تبدو وكأن هناك أشخاص يتحركون داخل "بركة من العسل الأسود".

كان يشعر أنه يعيش حياة رتيبة، لكنه يقول أيضا: "نسبيا، كنت منتجا جدا، وكانت تلك إحدى أفضل السنوات بالنسبة لي. كان ذلك في شركة للتكنولوجيا في وادي السيليكون، وهو مكان لا يعرف عنه بالضرورة مثل هذه الوتيرة البطيئة. لكن ربما يمكن أن يعطيك ذلك ملمحا عن جوانب الاختلاف بالنسبة للصين."

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122