محاضرة :"جهود المرأة الشنقيطية في السيرة النبوية" بالثقافي المغربي

2015-05-13 02:59:00

احتضن المركز الثقافي المغربي بنواكشوط أمس ندوة ثقافية تضمنت إلقاء محاضرة تحت عنوان: " جهود المرأة الشنقيطية في السيرة النبوية "، ألقتها الدكتورة زينب بنت الخرشي، أستاذة الحديث الشريف بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية.

.

الندوة حضرها لفيف من الأكاديميين ورجال الثقافة والإعلام وقدم لها الدكتور محمد القادري بكلمة قيمة رحب فيها بالحضور ، مقدما تلخيصا للمحاضرة قبل أن يذكر بنماذج من النساء الشنقيطيات اللائ كان لهن دور بارز فى نشر وتعليم علوم السيرة النبوية وبعض المعارف الأخرى:

-خناثة بنت بكار زوجة ومستشارة السلطان مولاي اسماعيل، وجدة السلطان العالم سيدي محمد بن عبد الله العلوي وأستاذته والمشرفة على تربيته، وهي الفقيهة الشنقيطية العالمة المتصوفة والمحسنة للقراءات السبع والعالمة بالحديث النبوي الشريف.

-خديجة بنت محمد العاقل الشنقيطية، حفيدة الشيخ محنض بن الماحي بن المختار بن عثمان، وهي عالمة جليلة كانت شيخة المحضرة، روت عن والدها، وتخرج عليها علماء أجلاء، منهم أخواها أحمد والمامي عبد القادر، والمختار بن بونه
.

وبعد توطئة المدير أحال الكلمة إلى المحاضرة لألقاء عرضها الذى جاء فيه:

"يحسن التنبيه هنا إلى أن الإسلام اعتنى كثيرا بالمرأة وأنزلها منزلة عالية، فبعد أن كانت تسبى في الحروب وتورث كرها، وتباع في الأسواق، صارت ذات مكانة، فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم النساء بيوم جعله لتعليمهن وتدريسهن، وفي الأحاديث كثير من الوصيـة بالمرأة والعناية بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا»[1] ولا يخفى ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف من البر بالوالدين ولا سيما الأم، ففي الحديث أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أردت الغزو وجئت أستشيرك، فقال صلى الله عليه وسلم: «فهل لك أم»؟ قال: نعم، قال: «فالزمها فإن الجنة عند رجليها».[2] وكان من بين الصحابيات عالمات، فكانت عائشة رضي الله عنها من المكثرين في الحديث، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة إلى أن يستفيدوا من علم أمنا عائشة رضي الله عنها، فقال صلى الله عليه وسلم: « خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء».[3] يعني عائشة رضي الله تعالى عنها، فقد برعت في علم الحديث، وأخذ عنها كبار الصحابـة والصحابيات، كما برعت في حفظ كتاب الله وعلومه، وشاركت في الفقه وأصوله،  فكونت مدرسـة ما تزال علومها تدرس إلى الآن.

وقد تواصل هذا الجهد النسوي في العهود الأموية والعباسية والعثمانية وفي عصر النهضة الحديثة، كما أشار إلى ذلك زعماء الإصلاح خاصة حافظ إبراهيم الذي اختزل أزمـة الشرق في تخلف المرأة وجهلها حيث يقول:

 من لي بتربية النساء فإنها
الأم مدرسـة إذا أعددتها
الأم أستاذ الأساتذة الألى
الأم روض إن تعهده الحيا
 

 

في الشرق علة ذلك الإخفاق
أعددت شعبا طيب الأعراق
شغلت مآثرهم مدى الآفاق
بالري أورق أيما إيراق[4]
 

 

ويذهب هذا المذهب نفسه أمير الشعراء أحمد شوقي، فقد ربط ربطا وثيقا بين تخلف الأم وشيوع الأميـة، مصرحا أن الأطفال يمتصون من ثدي أمهاتهم ملامح الخمول والجهل، فلا غرو أن يعم الجهل بالأوساط المشرقية إذا ما كانت المرأة غبية جاهلة يقول:

وإذا النساء نشأن في أمية
 

 

رضع الرجال جهالـة وخمولا[5]
 

 

وينتهج هذا النهج نفسه الشاعر معروف الرصافي مذكرا بقيمـة الأخلاق التي يكتسبها الأطفال في أحضان أمهاتهم، مشبها نمو الأخلاق بنمو النبات، منتهيا إلى أن ماء المكرمات هو أفضل ما تتعهد به أخلاق الوليد، ومصرحا أن حرم الأم مدرسـة متميزة تعني بتربيـة الأجيال وتكوين الرجال يقول:

هي الأخلاق تنبت كالنبات
تقوم إذا تعهدها المربي
ولم أر للخلائق من محل
فحضن الأم مدرسة تسامت
وأخلاق الوليد تقاس حسنا
وليس ربيب عالية المزايا
وليس النبت ينبت في جنان

 

 

إذا سقيت بماء المكرمات
على ساق الفضيلـة مثمرات
يهذبها كحضن الأمهات
بتربيـة البنين أو البنات
بأخلاق النساء الوالدات
كمثل ربيب سافلة الصفات
كمثل النبت ينبت في فلاة[6]
 

 

ونقرأ في الأشعار الشنقيطية ما يشعر بأن الأوساط المعرفيـة توفر لأبنائها جوا علميا متميزا، فالطفل الذي ينشأ في وسط عالم يجد نفسه متعلما ومثقفا دون أن يشعر، وذلك ما عبر عنه أحد الشعراء في نغم حماسي مثير ولغـة شاعريـة معبرة، حيث يقول:[7]

لنا العربية الفصحى وإنا
فَمُرضَعُنا الصغيرُ بها يُنَاغِي
 

 

أحقُّ العالمين بها انتفاعا
ومُرضِعُهُ تُكَوِّرُهُ قِنَاعا
 

 

وقد أحس الشناقطة بهذه المكانـة المتميزة للمرأة فأكرموها وبالغوا في تعظيمها وخدمتها، موفرين لها كل أسباب المتعـة والراحـة، فالمرأة عندهم ينبغي أن تجنب كل تعب ومشقـة، فهي أميرة الأسرة وسيدة البيت« فكأن النساء عندهم لم يخلقن إلا للتبجيل والإكرام والتودد لهن، فلا تعنيف عليهن ولا تكليف، فالمرأة سيدة جميع ما يتعلق بالبيت من متاع وماشية، والرجل بمثابـة الضيف فلها أن تفعل ما تشاء من غير اعتراض ولا مراقبـة، وليس من العادة أن تفعل شيئا من الخدمـة في بيتها إلا أن تكون في بيت فقير فتفعل من ذلك ما لا يناسب الرجال مباشرته.[8]

وقد أصبح هذا التكريم تقليدا متبعا وعرفا لازما، فعلى الجميع أن يعطف على المرأة ويعاملها بكل إكبار وتقدير، وذلك ما عبرت عنه لهجـة القوم في ألفاظ يسيرة تنصف النساء وترفع من شأنهن، مؤكدة أنهن "عمائم الأجواد ونعال الأنذال."[9]

وبذلك يتجلى حضور المرأة المتميز في مختلف نواحي الحياة، فقد هيأتها الباديـة الموريتانية للاضطلاع بدور كبير يشمل إدارة شؤون الأسرة والاستشارة في الأمور السياسيـة والإسهام في الثقافـة والجوانب المعرفيـة، إضافـة إلى تغطيـة خدمات البيت مع المشاركـة في صعاب الأعمال.[10]


 



[1]- صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وإذ قال ربك للملائكـة إني جاعل في الأرض خليفة﴾ رقم الحديث: 3153، ج3، ص 1212، دار ابن كثير- اليمامة- بيروت، الطبعة الثالثة، 1407-1987.

صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم الحديث 1468، ج2، ص 1090، دار إحياء التراث العربي- بيروت.

[2]- سنن النسائي، كتاب الجهاد، باب الرخصة في التخلف لمن له والدان، رقم الحديث 3104، ج6، ص11، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثانية، 1406هـ، 1986مـ.

مصنف بن أبي شيبه، ج19، ص234، دار الفكر.

المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج3، ص 153، دار المعرفـة- بيروت- لبنان.

[3]- قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجْرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: لَا أَعْرِفُ لَهُ إِسْنَادًا وَلَا رِوَايَةً فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، إِلَّا فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَهُ.

وقال الألباني في كتابه إرواء الغليل، حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ج1، ص 10، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ، 1985م.

وأخرجه كذلك السخاوي في المقاصد الحسنية، ص 237، وقد علق عليه قائلا: ما رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في النهايـة لابن الأثير.

وقال ابن كثير في تحفة الطالب، ص 141 غريب جدا، بل هو منكر، وأورده كذلك في البدايـة والنهايـة، ج8، ص 96، وعلق عليه فقال: ليس له أصل.

[4]-  ديوان حافظ إبراهيم، الجزء الأول، ص 283، دار الجيل- بيروت- 1408هـ، 1988.

[5]-  الشوقيات، الجزء الأول، ص 183، دار الكتاب العربي في بيروت- لبنان، بدون تاريخ..

[6]-  ديوان الرصافي، الجزء الثاني، ص 349، مطبعة الاستقامـة، القاهرة، ط7، بدون تاريخ.

[7]-  بلاد شنقيط، المنارة والرباط، ص 117.

[8]-  حياة موريتانيا الثقافية، المختار بن حامدن، الجزء الثقافي، ص 179-180، بيت الحكمة، تونس 1990.

[9]-  المرجع السابق، والصفحة.

[10]-  إسهام المرأة الموريتانية في التربية والتثقيف، محمذن بن أحمد بن المحبوبي، مجلة التربية، المدرسـة العليا للتعليم، 2006م.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122