يوميات "غوانتانامو" (الحلقة الرابعة)

2015-02-06 01:04:00

بعد ذلك بفترة وتحديدا في الـ20 يوليو2002 جاء الحراس إلى زنزانتي وأخرجوني منها للبدء في بعض الإجراءات البوليسية الروتينية ـ  يضيف ولد صلاحي في معرض حديثه عن بدايات رحلته في غوانتنامو ـ ،

.

كانوا يهدفون من خلال هذه الفحوص إلى أخذ البصمة الرقمية وقياس الوزن والطول وما إلى ذلك من التفاصيل المتعلقة بنيتي الشخصية بعدها سلموني إلى(الاسم محذوف من الكتاب)، الذي كان يترجم لي والذي كان من الظاهر أن اللغة العربية لم تكن لغة أمه ولا حتى جدته العاشرة

بدأ ........   بالحديث لي عن التعليمات التي من المفترض أن أمتثلها والتي كانت في خلاصتها بكل بساطة أنه علي ألا أتحدث مطلقا ألا أدعو الله بصوت عال وألا استحم أو اغسل أو أتوضأ قبل الصلاة وبعض الأمور الأخرى التي تصب في ذات التوجه، قبل أن يسألني الحارس إن كنت أريد أن أتوجه إلى الحمام فأجبته بسرعة كبيرة نعم لأنني كنت أعتقد أنه يتحدث عن غرفة صالحة للاستحمام.

كانت غرفة الاستحمام عبارة عن برميل كبير يعج برائحة البول وبكل مخلفات الإنسان بل وقد تكون أكثر المراحيض التي رأيت في حياتي قذارة، وقد كانت الأوامر الموجهة على ما يبدو للحارس أن يراقبني وأنا أفعل كل شيء جئت من أجل فعله في المراحيض، إلا أن حقيقة سوء التغذية الذي رافقني منذ حلولي هنا لأنني لم أكن قادرا على ابتلاع الطعام البارد الذي يوفرونه للنزلاء  ـ بالمناسبة كان الغذاء في الأردن أكثر جودة من الأطباق الباردة التي كانت تقدم إلي باغرام ـ  وحقيقة أنني لم أكن في حاجة ماسة للخدمات التي يقدمها هذا البرميل المرحاض لأنني كنت أتبول عادة في قنينات الماء الفارغة حيث أن النظافة الصحية للمكان كانت في آخر صف الأولويات التي بين يدي حيث أتبول واضطجع دون أن أفكر في ما إذا كانت قطرات البول قد وصلت الباب في طريقها إلى الخروج.

ظلت الليالي ـ يؤكد ولد صلاحي ـ التي عشت فيها في العزل الانفرادي في بداية اعتقالي ليالي مضحكة حيث كان الحارس يحاول أن يقنعني باعتناق بالمسيحية،ولا أخفي أنني أعجبت بالنقاش معه رغم لغتي الانكليزية الضعيفة فقد كان شابا نشيطا مفعما بالحيوية ومترعا حد الامتلاء بقناعاته المسيحية وعاشقا كبيرا للرئيس بوش الذي كان يصفه الزعيم الديني الحقيقي وناقما على بيل كلنتون الذي يعتبره شخصا مارقا عن الدين، وكان يعبد الدولار ويمقت الاورو ويحمل في كل يوم من أيام مداومته نسخة من الإنجيل معه وكان يتحين الفرصة في كل مرة لكي يقرأ علي مقاطع من العهد القديم ( التوراة الإنجيلية)، وهي مقاطع ما كان لي أن أفهمها لولا أني قرأت وأعدت وقرأت النسخة المترجمة من الإنجيل إلى العربية.

كان كنه القراءات التي يتلوها علي حارسي من الإنجيل غير بعيدة من بعض معاني النص القرآني حيث كنت درست الإنجيل في محبسي الأردني حين طالبت بنسخة منه،  وهي الدراسة التي مكنتني من فهم المجتمعات الغربية رغم أن الكثير من أفراد هذه المجتمعات ينكرون تأثرهم بالمواضيع الواردة في النص المقدس.

ولأنني كنت سعيدا بوجود أحد يناقش معي لم أبحث كثيرا في الاعتراض على ما يقوله، خصوصا وأننا كنا متفقين على أن الإنجيل والقرآن يخرجان من مشكاة واحدة، إلا أنني فوجئت كثيرا بأن هذا الجندي المتحمس لم يكن يملك إلا معرفة أكثر من سطحية بدينه الذي ينافح عنه ويسعى للتبشير به.

ولا أنكر ـ يضيف ولد صلاحي ـ أنني أعجبت به كحارس حيث كان يمنحني الكثير من الوقت لغرفة الاستحمام حيث كان يتغاضى عني في الكثير من الأوقات.

وفي أحد الأيام سألته عن وضعتي فأجابني بصوت تدعمه حركات يدوية  أنني لست من "المجرمين" لأن المجرمين  ـ  حسب تعبيره يوجدون في الجانب الآخر.

فكرت في هؤلاء المجرمين الذين يتحدث عنهم مرافقي فلم أر في الصورة أمامي إلا شبابا مسلمين يعيشون ظروف مؤلمة في سجن قصي وفي وضعيات بائسة.كنت أعيش عذاباتهم لكن ذلك لم يطل كثير فقد نقلت إلى جناحهم باعتباري بعد أن خمنوا أنني من "المجرمين الذين يتمتعون بأولوية كبيرة "، وقد أحسست بالعار كلما تصادفت مع حارسي وأنا أرافق "المجرمين" ـ حسب وصفه ـ خصوصا وأنه كان أكد لي أنه سيتم إطلاق سراحي خلال ثلاثة أيام كحد أقصى.

وهنا أسجل أن طريقة تعاطيه معي لم تتغير رغم نقلي إلى جناح "المجرمين"، إلا أن هوايته في مناقشتي ببعض المواضيع الدينية تقلصت كثيرا لسبب الحضور الكبير لرفاقه داخل العنبر الذي نحن فيه رغم أن بعض المعتقلين الذين وجدت أمامي أكدوا لي أن تعاطيه معهم كان أكثر من لائق.

وخلال الليلة الثانية أو الثالثة من الحجز جاءني ......  وأخرجني بنفسي من غرفتي وقادني إلى قاعة الاستجواب وهناك وجدت ......... الذي هو نفس المترجم الذي كان معي في الجلسة السابقة، وجدته وقد أخذ مكانه داخل القاعة...

 

يتواصل

 

الوطن

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122