تأبين: أنا، من بعدك، صِـفر مُـكـَـوّر/محمد فال ولد سيدي ميله

2015-02-02 05:50:00

مع الفارعة، ابنة طريف، نـُـسائل "شجرَ الخابور" "ماله مورقا" كأنه لم يجزع لفقد دَيـّن، نفيس، مهذب، خلوق، ساقٍ، مطعم، محسن!.. مع النائحات النادبات الوليدَ (ابنَ طريف)، لم نزل نـُسائل "شجر الخابور": من لنا من بعد ساتر عورات الخلان، الجامع شملـَهم، المقري ضـِــيفانهم، المتحمل أوزارَهم، الحامل أثقالـَـهم!..

.


ليت بَـواكيه يعلمن أن حوض الدموع، من بعد فقده، سيظل هتونا، وأن دنيا العهد والسؤدد والكرم ستلبس ثوب الحداد إلى الأبد.. فيا باكيات نائحات هلمّ إلى شق الجيوب وضرب الخدود، فالجريء الحكيم السيد الكريم مضى، ومضت تقتفيه، حذو النعل، كلُّ الفضائل والمكرمات، تأبى أن يتركها وحيدة، يتيمة، بلا مأوى، في أرض أضحت بعده يبابًا قفـرًا وعِـهْـنـًا منفوشـًا.. نعم، تابعي، إذن، يا فارعة، فالعويل قليل في حقه، والنواح ضئيل في مصابه، والدموع سخية على مثله، والرُّزء فظيع، مُريع، جلل. نعم، تابعي، "واتركيني لدخاني وهمومي" فأنا بالفعل "جرح مطبق أجفانه"..

أنا بعده صِـفـْـرٌ مُـكـَـوّر لا يضيف شيئا ولا يسعى لمجالسته أحد.. أنا بعده طريدة مشردة تائهة في براري الزيف، لا تحمل في قلبها غير نقاط استفهام كبيرة وكومة ذكريات حزينة.. سامِحْـني، أخي الكريم، فضمير الغائب في مخاطبتك مرعب جدا.

سامحني أخي محمد سالم، ابن المُرَبـّي العارف عزيز، ابن الحاذق التقي أحمد، ابن حمّديّه، سليل عتام. سامحني فضمير الغائب بالفعل صغير في حقك، رغم أنها الحقيقة المرة.. سامحني فأنت أحق بضمير المخاطب من جل الأحياء.. سامحني لأنني لم أحَـدّثْ بعدُ أطفالك الميامين عن خلقك الرفيع، وإرادتك الصلبة، وصراحتك العجيبة، وصدقك النادر.. سامحني لأنني لم أقل بعد لـ"ابّـبـّه" ولـ"عزّو" ولـ"اميمّه" ولـ"توتو" أن يدك كانت تعطي عطاء من لا يخشى النفاد، وأنك كنت تحزن عندما لا تسمع في بيتك لجبة الضيوف، وأنك كنت تحتقر الدنيا، وأنك كنت تحب الخير لكل بشر، وأنك كنت تصون حق الجار وحق القريب وحق السائل وحق المسكين رغم تواضع إمكانياتك. سامحني فالحديث يطول لكن الصدمة فظيعة، صديقي العزيز.

نعم، يا ابن الكريميْن، أنا من بعدك "لا شيء"، لكن ذكراك تظل تطاردني حين تستبد بي قلة الملاجئ، تمازحني حين تعصرني الهموم، تعايشني حين يجفل الصاحب و"الصديق"، تصارحني حين تجمــحُ بي خيلُ العواطف، تضاحكني حين يعبس ويتولى الأهلون و"الأحبة".. نعم، ذهبتَ إلى غافر ذنبك وقابل توبك، لكنك بقيت، في مخيلتي، غائبا حاضرا، لذلك:

ذكرتُكَ فاسْتـَـعْبَرْتُ والصدرُ كاظِــمٌ = على غصةٍ منها الفؤاد يذوب

لعمري لقد أوْهَـيْتُ قلبي عن العَزا= وطأطأتُ رأسي والفؤاد كئيب

نعم، يا مفخرتي، وذؤابة قلبي، ومساحيق دمامتي، ودواء وحدتي، فالقلوب واهية والرؤوس مطأطئة والأفئدة كئيبة، وما باليد حيلة غير التوجه إلا المحيي المميت متضرعين بأن يـُـكرم نــُـزلك ويُـوَسّع مدخلك.. و"إنا لله وإنا إليه راجعون".

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122