ولد داداه يرد أمام مجلس الاشتراكية على السفيرة الأمريكية وينتقد الأوضاع فى دول الساحل

2013-02-11 16:28:00

الإخوة الأعزاء، في مناسبات تعسة ومقلقة وحتى كارثية تتحدث وسائل الإعلام بصفة متكررة عن "الساحل"، حيث ارتبط اسمها بالجفاف والحروب التي تدور رحى إحداها الآن في مالي،

.

مع التصحر الذي يسير بخطى حثيثة والمجاعة واختطاف الرهائن والإرهاب... وهكذا اكتسبت كلمة الساحل نبرةمأساوية.

فبسببهذا الضجيجالإعلامي المتواصلأصبحت ملامحفضاء الساحلغير واضحة مما يستدعي إبرازها. فعبارة الساحل تعني شريط الأقاليم التي تمثل الانتقال التاريخي والمناخي من مناطق الساحل في الشمال والسافانا السودانية في الجنوب.

ويمتد الساحل من شواطئ الأطلسي إلى البحر الأحمر وبعبارة أخرى يشمل :

-         بلدي موريتانيا

-         الرأس الأخضر

-         السنغال

-         مالي  

-         النيجر

-         وجزءا من نيجريا

-         تشاد

-         جزءا كبير من السودان.

ويضم البعض إليه إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال.

إن إلقاء نظرة على خريطة العالم تبين قرب الساحل من البحر الأبيض المتوسط أي أوروبا وكذا من الشرق الأوسط، ونلاحظ أيضا أن الساحل لا يفصله عن أمريكا إلا المحيط الأطلسي، الذي أصبح عبوره سهلا في هذا العصر. فموقعه استراتيجي بامتياز خاصة أنه لم يعد تلك العقبة التي لا يمكن تجاوزها بفضل ما عرفته وسائل الاتصال والنقل من تطور ملحوظ.

أيها الإخوة الأعزاء

إن منطقة مهد للتمازج الثقافي والإنساني، وأرض للتلاقي والتعايش، وكانت مركزا لامبراطوريات كبيرة مثل المرابطين وغانه ومالي وآوكار التي كانت عاصمتها أوداغست وكذلك امبراطورية سونغاي والموسي.

وفي أوج مجدها أي منذ عدة قرون كان بعض مدنها مثل ولاته، تيمبكتو، أوداغست، چنى تعد من أكبر مدن العالم.

والساحل لا يعد مجرد حقبة تاريخية فقط، فهو حقيقة اقتصادية حالية تسخر بمقدرات طبيعية هائلة، مثل الحديد والذهب والنحاس والفوسفات واليورانيوم والغاز والثروة المائية.

وقد اشتهر الساحليون كرحالة أذكياء ومدبرين، والتنمية الحيوانية والزراعية في منطقتهم يمكنهما أن يساهما مساهمة كبيرة - لو نظموا وسيّروا- في مكافحة الجوع في العالم على الرغم من كون هذه الفكرة قد تبدو غريبة.

وعلى الرغم من ذلك لابد من ملاحظة التناقض الصارخ بين الفقر المدقع الذي يعيشه سكان الساحل ووفرة المصادر التي تتوفر عليها أرضهم.

وسبب هذه المفارقة بسيط، ويتجلى في غياب شبه عام لديمقراطية حقيقية.

فانعدام الحكم الرشيد وسيادة الظلم الاجتماعي وانعدام الأمن وغياب الدولة والمؤسسات الحقيقية أو ضعفها هي النتيجة الحتمية لهذه العيوب.

ففي أغلب بلدان الساحل لا يتم انتقال السلطة إلا بالعنف، فالانقلابات العسكرية تجري على خلفية أزمة متعددة الجوانب تليها انتخابات صورية تهدف إلى إضفاء طلاء ديمقراطي على الحكام الجدد ومنع ضباط آخرين - ولو إلى حين - من انتزاع السلطة من الطغمة الجديدة.

وخلال الثلاثين سنة الماضية لاحظ الديمقراطيون الموريتانيون وبمرارة أنه كلما نظمت انتخابات مزيفة في بلدنا سارع قادة الدول ذات التقاليد الديمقراطية إلى الإشادة بنتائجها على أساس آراء مراقبين جاؤوا إلى البلد عشية الانتخابات أو يومها.

وتجاهلا لواجب التحفظ المفروض عليهم يقوم بعض ممثلي السفارات الغربية بالتدخل المنحاز والعلني في الجدل السياسي الوطني مساندين بصفة صريحة النظام العسكري شبه المقنع.

كما أن خبراء من المؤسسات المالية الدولية يدلون صراحة عبر شاشات التلفزة المحلية بشهاداتهم على صدقية الأرقام المزورة التي يقدمها قادتنا إلى الشعب حول حالة اقتصاد البلد، والتي تتنافى كليا مع حالة البؤس المدقع الذي يعانيه المواطنون في حياتهم اليومية والتي تتجلى في البطالة المستفحلة والارتفاع المذهل للأسعار وتزايد ارتفاع نسبة الفقر بين المواطنين.

أما الجيش والمدرسة الذان يفترض أن يحتضنا تنشئة وترقية الشباب فقد فقدا كل صدقية، وموريتانيا تعيش تحت نظام اللاقانون.

إن الانتخابات البلدية والنيابية التي كان من الواجب إجراؤها قبل نومبر 2011 لم تجر إلى حد الساعة، أي خمسة عشر شهرا بعد انتهاء مهلتها القانونية.

ويترتب على ذلك انتزاع أي شرعية عن البرلمان والمجالس البلدية.

وفي هذه الظروف التي بلغت فيها الرشوة والمحسوبية حدا غير مسبوق، لم يعد من المستغرب أن يدير آلاف الشباب الذين يعانون البؤس واليأس ظهورهم للنضال السلمي، إذ يجدونه غير مجد ولا مؤثر، ويفضلون التوجه صوب مغامرة الإرهاب.

إن التسيير الشخصي للدولة وضعف مؤسساتها وميوعتها فتحت الباب واسعا أمام الشبكات الإرهابية التي تجذرت في مناطق واسعة من فضاء الساحل والصحراء، وبدأت تعمل جهارا نهارا عبر خلايا كانت نائمة. وقد استقرت هذه المجموعات خلافا لطبيعتها المستقلة وتحالفت مع بعض حركات التمرد التي من بينها من أُنشئ من طرف دول قصيرة النظر يرتبط أمنها بأمن جارتها مالي؛ وهكذا أصبح الساحل اليوم محورا لشتى أنواع التهريب كالمخدرات والسلاح والسجائر والهجرة السرية واختطاف الرهائن... فهو ملتقى طرق للجريمة العابرة للحدود، ومن ثم فالوضعية الحالية في الساحة تشكل تهديدا للأمن في كل المنطقة بل وفي كل العالم.

ولا يخفى على أحد أن بعض المقربين من دوائر السلطة – إذا لم نقل أكثر من ذلك- كانوا أول من بدأ في تعاطي مثل هذه الأنشطة الإجرامية مستعملين وسائل السلطة العامة.

أيها الإخوة الأعزاء،

وكما يُقال: فرُب ضارة نافعة. فالوضعية الخطيرة التي يعيشها مالي: البلد المحاذي لموريتانيا والجزائر والنيجر وبوركينافاسو وساحل العاج والسنغال – تطرح نفسها على الرأي العام الدولي، وتُلقي الضوء وتلفت النظر إلى الساحل برمته، وتفرض علينا إيجاد الرد المناسب على هذا الوضع المحير، ونواجه حالة انعدام الأمن وندرأ العنف والفوضى في الساحل؟

فإذا كان الجواب العسكري قد يفرض نفسه فوريا في ظروف استعجالية، فالحل الحقيقي يكمن في وضع مؤسسات ديمقراطية وترسيخ السلم الاجتماعي والحكم الرشيد، وكذا تسيير مشترك لهذه الظاهرة على مستوى كل المنطقة، فهذا الجواب المشترك والشامل هو وحده الكفيل بنزع فتيل هذه المعضلة بصفة فعالة ودائمة.

لنعمل إذن معا يدا في يد على إحلال السلام في الساحل عن طريق إنشاء ديمقراطيات حقيقية تشمل فصل السلطات وإعادة تأهيل عدالة مستقلة وتطبيق سياسات اجتماعية تستهدف الجميع، ونظاما تربويا مستقيما وشاملا، ونظاما صحيا عاما ومجانيا، وكفاحا جديا ضد سوء التغذية والجوع، وإعطاء الأولوية للتنمية الزراعية والحيوانية وتقييم المصادر الطبيعية

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122